strong>يروي جنود «ايغوز»، الوحدة المختارة والمدربة من أجل لقتال في لبنان، لـ«هآرتس»، بعضاً من وقائع معركة مارون الراس، التي غيّرت وجه الحرب، كما ترى الصحيفة، فأصابت الاركان العامة للجيش الاسرائيلي بالصدمة، وحوّلت المعركة الى حرب لبنان الثانية.
عميرام بركات وعاموس هرئيل

اليوم السابع من عملية «تغيير الاتجاه»، يوم الخميس 20 تموز، وفي وقت الظهيرة، بدأ جنود وحدة «ايغوز» يتسلقون قمة الجبل تسلقاً مرهقاً. الهدف كان قرية مارون الراس الواقعة في قمة الجبل. شق المقاتلون المحمّلون بالعتاد طريقهم الى داخل الحرج، على بعد مئات الأمتار شرقي المكان الذي قتل فيه اثنان من وحدة «مغلان» في مواجهة مع مقاتلي حزب الله، وهو ما تبعه إرسال دورية من جنود المظليين لاحتلال مواقع مسيطرة على منطقة مارون الراس، الا ان هؤلاء عادوا وأرسلوا إشارات عن وقوعهم في ازمة، وهو ما ادى ايضاً الى قرار متعجل ومصيري بإلقاء وحدة «ايغوز» في المعركة.
اعترف ضابط رفيع المستوى في الأركان العامة في الاسبوع الماضي بأننا «احتللنا مارون الراس من دون أن ننوي ذلك، وهي عملية حدثت في وقت مبكر جداً، ولم نكن مضطرين للوصول الى هناك». باللغة العسكرية الدارجة، اعتُبرت المعركة حادث «كيّ وعي» للجيش الاسرائيلي، لأن القتال في لبنان أشد صعوبة من القتال في المناطق (الفلسطينية). لكن للمعركة آثاراً اكثر استثنائية من ذلك. وإذا كانت هناك حادثة استطاعت ان تغير عملية «تغيير الاتجاه» الى حرب لبنان الثانية، فإنها معركة مارون الراس.
قبل المعركة، اقتصر الوجود البري للجيش الاسرائيلي في لبنان على نشاطات متفرقة لمجموعات صغيرة من وحدات النخبة، في عمق بضع مئات من الامتار داخل الاراضي اللبنانية. فبموجب أوامر الاركان العامة، امتنع الجيش عن دخول منطقة القرى لعمق كيلومترات معدودة، وهي المنطقة التي اصطلح على تسميتها بـ«القشرة». الا ان سلسلة من التطورات، التي بلغت ذروتها في معركة مارون الراس، وضعت الاركان العامة في مواجهة واقع جديد. وبعد يوم من انتهاء المعركة (مارون)، اصبح في جنوب لبنان ثلاثة ألوية من ألوية الجيش الاسرائيلي.
صدمة في القيادة
بدأت الورطة بشكل محدود. الأربعاء 19 تموز، أرسلت فرقة من وحدة «مغلان» في مهمة مراقبة على بعد مئات الأمتار داخل الاراضي اللبنانية، داخل حرج على سفوح مارون الراس. وتوقع جنود الفرقة الـ12 ان يتصادموا مع اثنين او ثلاثة من مقاتلي حزب الله على الاكثر، ولم يخطر في بالهم ان يجدوا نظام ملاجئ محصنة تحت الأرض وأنفاقاً لحزب الله، تُسمى «محمية طبيعية».
قرابة الساعة 11، لاحظ جنود وحدة «مغلان» نشاطاً مريباً، واستحصلوا على الإذن بإطلاق النار، لكن تبيّن انهم محاصرون بمواقع لحزب الله، وفي وقت قصير، سقط تسعة منهم جرحى وقتل اثنان.
تملكت الصدمة الاركان العامة بعد سماعهم عن معركة «مغلان»، وبحسب ضابط رفيع المستوى «لم يقصد أحد ان يمشط المحمية الطبيعية في هذه المرحلة، فقد وافقنا على إدخال قوة لمنع إطلاق الصواريخ على «افيفيم»، من دون دخول المحمية، وهو ما لم يُبلغ إلى وحدة مغلان».
في أعقاب حادثة «مغلان» الأليمة، صودق على إدخال قوة اكبر الى المنطقة، والهدف السيطرة على اعلى نقطة فيها لتمكين الجيش من القيام بنشاطات على نحو مجدٍ على امتداد السياج. وبين الاربعاء والخميس، دخلت دورية من المظليين الى المنطقة الشمالية من مارون الراس، وهي جبل يرتفع 917 متراً فوق مستوى سطح البحر.
صباح الخميس صرخ قائد ايغوز، المقدم مردخاي كهانا، وقال لقائد المنطقة العميد حام لفني ان «القوة في ورطة ويجب مساعدتها»، فأجابه «عليك ان تدخل الى هناك وأن تحسم المعركة».
معارضة قائد إيغوز
نشأت وحدة «ايغوز» التابعة للواء «غولاني» عام 1995 من اجل القتال في لبنان، وبعد انسحاب الجيش الاسرائيلي (عام 2000)، تابعت الوحدة تدريباتها استعداداً للقتال في الاراضي اللبنانية، إلا ان انشغال مقاتلي الوحدة كان في تنفيذ عمليات في المناطق (الفلسطينية) ولم يصطدموا قط مع مقاتلي حزب الله.
رغم ان قائد «ايغوز» كان متعطشاً لعملية تنفيذية، الا انه عارض بقوة إدخال جنوده نهاراً الى مارون الراس، وقال، كما ورد في مقابلة له مع «يديعوت احرونوت»، انه حاول مرتين إقناع لفني (قائد المنطقة) بتأجيل الدخول لليلة واحدة، لكنه لم ينجح. وبحسب قائد «ايغوز»، فإن لفني قال له «لا اهمية ان حصل ذلك ليلاً او نهاراً»، علماً بأن وضع المظليين لم يكن فظيعاً، فقد خرجوا من مارون الراس غير مصابين وقالوا إنهم قتلوا 13 من مقاتلي حزب الله.
كان أفراد «ايغوز» يجهلون ما كان ينتظرهم في القرية، وقال ضابط في الوحدة «قالوا لنا إن المظليين في وضع كارثي، وإن القرية مهجورة من سكانها وفيها مقاتلون من حزب الله، عرفنا ان لديهم صواريخ مضادة للدبابات، لكننا لم نكن نعرف ما الذي يمكننا عمله عندما يطلقون الصواريخ علينا».
صواريخ مضادة للدبابات
حوالى الساعة 15:00، طوّق جنود «ايغوز» قرية مارون الراس وقطعوا الطريق بينها وبين بلدة بنت جبيل، ولاحظ الجنود داخل القرية سيارة وفيها منصة للصواريخ، فتم تدميرها، الا ان صاروخ «ساغر» اطلق على القوة من جهة بنت جبيل دمر حائطاً كان يحمي الجنود، وبعدها أصابهم صاروخ ثان، فقتل قائد السرية بنيامين هيلمان، والرقيب اول رفنئيل موسكال وعامل الاشارة الرقيب اول ليران سعادية.
بعد ذلك، جرى استدعاء جنود سرية ثانية في الوحدة، للمساعدة في إنقاذ الجرحى وإخلاء القتلى، فقتل احد المنقذين بصاروخ «ساغر»، ولم يشاهد مرافقه جثته التي دفنت تحت أنقاض حائط انهار عليه.
في موازاة ذلك، بدأ الجنود بالسيطرة على منازل القرية، من دون اطلاق نار تمهيدي على المنازل كما هي الأوامر من المستويات الأعلى، ولدى دخولهم منزلاً في القرية، لاحظ احد الجنود حركة مريبة فيه، فصاح بالعربية «قف»، وأطلق النار الى داخل المنزل، لكن رشقة رصاص من الداخل أصابته فقتل بعد وقت قصير من ذلك. عاد الجنود وفجروا المنزل، وتبيّن لهم ان الصواريخ التي أطلقها حزب الله، والتي أصابت هيلمان وجنوده، كان مصدرها هذا المنزل بالتحديد.
نجح جنود «ايغوز» حتى المساء في إنقاذ خمسة جرحى وسحب جثث أربعة من الجنود الى داخل احد المنازل في القرية، ولم تكن حياة الجرحى في خطر، لكن الخطر كان في تعرقل وصول الدبابات وسيارات الإسعاف للإنقاذ. بقي الجنود حتى الساعة الرابعة قبيل الفجر.
في هذه الاثناء، تبيّن ان احد الجنود كان مفقوداً، فأمر قائد الوحدة ان يبقى الجنود في القرية الى ان يتم العثور على جثته، وبعد تحديد مكانها نُقلت الى اسرائيل ليل الجمعة ــ السبت.
دخلت قوات كبيرة من لواء المظليين الى مارون الراس مساء الجمعة، وحتى صباح اليوم التالي، تبيّن أن اطلاق النار مستمر من بنت جبيل، فتقرر المضي قدماً نحو البلدة، ولم يكن لجنود إيغوز الكثير من الوقت لإعادة الاستعداد من جديد بعد يوم صعب في تاريخ الوحدة.
طيلة الوقت والقتال، بقي الاحساس لدى وحدة ايغوز، الوحدة الأكثر «لبنانية» في الجيش الاسرائيلي، بأنها لا تحظى بالتقدير الذي تستحقه. وقال ضابط في الوحدة ان «الجيش قد استخدمنا للسيطرة على مناطق، في مهمات شبيهة بمهمات سلاح المشاة العادي، ومن المؤسف أننا لم نحصل على فرصة لإثبات قدراتنا المتميزة».