أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، عودة عناصر «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فك الاشتباك في الجولان» (الاندوف) إلى الجانب الذي تسيطر عليه سوريا من هضبة الجولان المحتلة، بعد عامين على انسحابهم من الحدود، إثر اشتباكات بينهم وبين الجماعات المسلحة. العودة، المعلن عنها رسمياً، حظيت بموافقة من الحكومة السورية وكذلك من إسرائيل، اللتين أيّدتا خطة إعادة انتشار القوة، وفق ما أكده حق، الذي أوضح أن «الوضع في المنطقة أصبح مختلفا تماماً عمّا كان عليه عام 2014».مع ذلك، لا تعدّ عودة قوة «الاندوف» إلى مواقعها في الجولان إجراءً بلا دلالات، وتحديداً من ناحية إسرائيل، إذ تنطوي على مجموعة من الرسائل ذات الصلة بجنوب سوريا والجماعات المسلحة هناك، وبالرؤية الإسرائيلية لمآل تطورات الامور على هذه الجبهة.
ولعل الانطباع الأوّلي، الذي يحتاج لاحقاً إلى تعزيزٍ ربطاً بالتطورات المقبلة، يقول إن الإجراء يعتبر مؤشراً على تبدد الرهان الإسرائيلي حول إمكانية إقامة حزام أمني في الجنوب السوري. يأتي ذلك كنتيجة طبيعية لفشل الرهان على الجماعات المسلحة، وعلى رأسها «جبهة النصرة» وغيرها، التي لم تستطع تحقيق أي إنجاز ميداني يذكر منذ مدة طويلة، في وجه صمود الجيش السوري وحلفائه الاستثنائي.
في الأشهر الاخيرة، بات واضحاً للإسرائيلي تصميم الجيش السوري وحلفائه على منع تحقيق مشروع إسرائيل الأمني في الجنوب السوري عبر الجماعات المسلحة. ومع الفشل المتكرر للمسلحين، لم يبق أمام تل أبيب لإنجاح مخططاتها إلا التدخل العسكري المباشر، غير أن الرسائل التي وجهت إليها، فوق الطاولة وتحتها، جعلتها تدرك أن أي تدخل سيؤدي إلى تداعيات قد تقود بدورها إلى مواجهة لا يريدها طرفاها.
يضاف إلى ذلك أن رؤية إسرائيل لمجمل الساحة السورية، بما يشمل المستوى الميداني الشامل، باتت أمام واقع مختلف لم تعد للجماعات المسلحة ــ التي راهنت عليها طويلاً ــ اليد العليا فيه. وبالتوزاي، قد لا يعتبر المستجد الدولي (الأميركي) مواتياً لمخططاتها، فهو قد يساعد في لجم أي عامل خارجي يدفع نحو مواجهة أكبر من واقع ومساحة الجنوب السوري. وتكرّس هذه العوامل مجتمعة لدى إسرائيل فشلها في إقامة الحزام الأمني حالياً، ولاحقاً إنهاء ما تبقى من الجماعات المسلحة، على غرار ما ينتظر المسلحين في سوريا.
من المنطقي الافتراض أن الإسرائيلي استشرف هذا المنحى، وأدرك أن الأمور تتجه نحو عودة الجيشين، السوري والاسرائيلي، إلى مواقعهما السابقة. ومع فقدان الخيارات العملية المجدية، بقي لدى إسرائيل خيار وحيد، وهو استعادة دور القوة الدولية لتعود وتقوم بدورها الذي كان تضطلع به، قبل ترحيلها برضى إسرائيلي، قبل عامين.
وبدا لافتاً في التعليقات الإسرائيلية على خبر عودة «الاندوف»، حديث المعلقين والمراسلين العسكريين الاسرائيليين، عن أن الأمور على الحدود مع سوريا تتجه نحو «التبريد» وعودة الاستقرار. كذلك، أشار موقع صحيفة «معاريف»، إلى أن عودة المراقبين «الاندوف» تعني أن الهدوء في الجولان يتعزز، علماً بأن الصحيفة نفسها، والمراسلين العسكريين الإسرائيليين، كانوا حتى الأمس القريب يحذرون من تداعيات «عدم الاستقرار» في الجولان، وإمكان تدحرج الحوادث الأمنية، بين المسلحين والجيش السوري، إلى مواجهة غير محسوبة.