تونس | تقول القاعدة إنّ المسكّنات لا تجدي نفعاً في علاج جسد مريض، وإنّ الأصل معالجة المرض واقتلاع الداء. وهي قاعدة يبدو أنّ الحكومة التونسية لم تتنبّه إليها حين تعاطت مع أزمة الكامور السنة الماضية، وأطنبت في تقديم الوعود لطالبي الشغل والمهمشين في محافظة تطاوين في أقصى جنوب غرب البلاد، إذ ها هي اليوم تواجه من جديد فتيل الاحتجاجات في الكامور إيذاناً بعودة الحراك الاجتماعي مع تأخر تنفيذ الوعود.الكامور التي علّمت في أذهان التونسيين بحادثة «كسر الفانة» (مضخة النفط)، تلك الرقعة الصحراوية في أقصى أطراف البلاد القاحلة علّقت جلّ آمالها على وعود الحكومة، أملاً بفتح آفاق جديدة للتنمية بعيداً عن النفط الذي تنتجه الجهة (المحافظة) ولا تتمتع بشيء من عائداته. وبعدما جوبهت الاحتجاجات في البداية بالقوة، رضخت الحكومة وقدّمت باقة من الوعود والاتفاقات لإخماد التحركات. وها هي اليوم تعيد السيناريو نفسه مجدداً، بعد تصاعد أعمال العنف خلال اليومين الماضيين بين المحتجين العاطلين من العمل وقوات الأمن.
ولم تهدأ الكامور السنة الماضية بعد اعتصام دام ثلاثة أشهر لشبان من المحافظة أمام مقر منشأة نفطية، إلا إثر توقيع اتفاق مع الحكومة خلال شهر حزيران/ جوان الماضي يقوم على أساس انتداب «شركات البيئة والغراسة» 1500 عاطل من العمل قبل نهاية عام 2017 وألفاً خلال 2018، إضافة إلى ضخّ 80 مليون دينار تونسي في صندوق التنمية والاستثمار (نحو 30 مليون دولار أميركي). لكن التحركات عادت مجدداً خلال شهر آذار/ مارس الماضي عبر تنفيذ عدد من المنتمين إلى «تنسيقية اعتصام الكامور»، إضراباً عن الطعام احتجاجاً على بقاء الوعود حبراً على ورق.
عقب انتهاء التحركات السنة الماضية، كانت الحكومة قد رتبت أوراقها لتُعلن المنشآت النفطية مناطق عسكرية يحميها الجيش الوطني، وبالتالي لا يجوز الاحتجاج في محيطها. وبينما أنهت بذلك حلم الشباب في «تأميم» المنشآت الاستخراجية وافتكاكها، فإنّ تصرفها لم يُثنِ شباب تطاوين عن خوض جولة ثانية ضد الدولة والشركات الاستخراجية، لا عبر التجمهر أمامها وإنّما عبر الاعتصام أمام مقر المحافظة وقطع الطرق الرابطة بينها وبين المناطق المجاورة.
«اتحاد الشغل» لـ«الأخبار»: ندعم المطالب دون تأييد غلق الطرقات


إبّان عودة الاحتجاجات، الشهر الماضي، ردّت الحكومة على لسان وزير الصحة والقيادي في حزب «النهضة» عماد الحمامي، بأنه جرى تنفيذ جميع القرارات المتعلقة بسنة 2017 وتمّ الشروع في تفعيل القرارات المتعلقة بسنة 2018، موضحاً أنّ لجنة أنشئت بهدف متابعة تنفيذ القرارات المتخذة لفائدة الجهة، وأنّها تنعقد بصفة دورية لمناقشة تنظيم مسألة الانتدابات في الشركات البترولية القائمة في الصحراء. وأكد أيضاً تعهد الحكومة بالإيفاء بكل التزاماتها وعدم التراجع عنها، مشيراً إلى أنّه تمّ تفعيل القسط المتعلق بعام 2018، والمتعلق بضخ التمويل لفائدة صندوق التنمية والاستثمار والاستعداد للقيام بالانتدابات الخاصة بسنة 2018 في «شركات البيئة والغراسة».
لكن يبدو أنّ طول انتظار شباب تطاوين لالتفاتة من الدولة، لم يُبقِ لديهم متسعاً من الصبر إلى حين تفعيل جلّ القرارات وتجسيد الوعود، ما دفعهم، يوم السبت، إلى إعلان جولة ثالثة من الصراع من خلال إغلاق الطريق الرئيسة في الجهة ونصب خيم للاعتصام أمام مقر المحافظة. وجاء رد الحكومة مختلفاً هذه المرة، إذ وجّهت قوات الأمن وأوقفت عدداً من الشبان الناشطين في التحرك، فيما اندلعت مساء أمس، احتجاجات تنديداً بالإيقافات والتدخل الأمني، وقد جوبهت بالقوة أيضاً وأُصيب على أثرها عنصر أمني.
الكاتب العام المحلي التابع لـ«اتحاد الشغل»، بشير السعيدي، يجزم في حديث إلى «الأخبار» أنّ «الحل الأمني لن ينهي الاحتجاجات، بل سيؤججها»، داعياً الحكومة إلى «مراجعة تعاطيها مع التحركات، وتجنب القوة والتعقل والحكمة». وبينما يؤكد أنّ بعضاً من نقاط الاتفاق فُعِّلت ونُفِّذت، يلفت إلى أنّ أجزاءً أخرى جرى التعامل معها ببطء ومماطلة. يعتبر السعيدي أنّ مطالب شباب الجهة «عادلة ولا بد من احترامها... والاتحاد العام التونسي للشغل يؤازرهم فيها»، مستدركاً بأنّ ذلك «لا يعني مناصرة غلق الطرقات وتعطيل مصالح المواطنين وإحداث شلل في الجهة». وبناءً على ذلك، يرى أنّه «لا مناص اليوم من العودة إلى طاولة الحوار وضبط النفس من الطرفين وتقديم كل الضمانات المتعلقة بالإسراع في تنفيذ الاتفاق».
من جهة أخرى، يشدد محافظ تطاوين عادل الورغي، في تصريح صحافي، على أن البطء الحاصل «رهين تعقيدات إجرائية فقط ولا نية تذكر في التراجع عن الالتزامات»، مضيفاً أنّ المحافظة تنتظر الانتهاء من إجراءات إدارية للحصول على قرض لتمويل صندوق التنمية، وهي عملية «تتطلب وقتاً وقليلاً من الصبر». لكن برغم أي حديث، فإنّ «حكومة الوحدة» تواصل المشي على الحمم المتوقدة، وسط تزايد نقاط التوتر في البلاد وفي ظلّ دفع أطراف سياسية واجتماعية نحو إزاحتها. ووسط هذا المشهد، تأتي أزمة الكامور لتحتل مكانتها مجدداً ضمن قائمة المناطق التي تشهد احتجاجات واضطرابات والتي تعمل «حكومة المطافئ» على إخمادها.



قرض جديد... بالمليارات


نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول حكومي، أمس، أنّ تونس توصلت إلى اتفاق تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار مع «المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة» بهدف تمويل واردات شركات في القطاع العام. وأضاف أنّ القرض الذي يُقدَّم على ثلاث سنوات سيكون مخصصاً لتمويل واردات سلعية لهذه الشركات، مثل البنزين والحبوب وسلع أخرى. وسيتم توقيع الاتفاقية يوم الخميس المقبل.
وكان رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد (الصورة) قد قال الأسبوع الماضي إن شركات القطاع العام سجلت خسائر وصلت إلى 2.72 مليار دولار، وإنه يتعين الاتفاق على «خطط لإصلاحها» سريعاً لوقف نزف الخسائر.