أدت نقاشات صاخبة في اليومين الماضيين في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) الذي يتولى حالياً التصويت على فصول مشروع الدستور، فصلاً فصلاً، الى رفض عدد من الفصول، خصوصاً ما تعلق منها بدور السلطة التنفيذية في تسمية القضاة واختصاص المحاكم العسكرية.
وهناك تعديل آخر مثير للجدل حتى وإن لم تجر مناقشته بعد في المجلس نص على أن «تتولى النيابة العامة تنفيذ السياسة الجزائية للحكومة» بدلاً من السياسة الجزائية للدولة. وفي انتظار استئناف النقاش والتوصل الى حلول للإشكاليات المطروحة، تظاهر مئات القضاة أمس أمام المجلس التأسيسي في ضاحية باردو في العاصمة، ليقولوا «لا لتدجين السلطة القضائية»، في إشارة واضحة الى هيمنة حركة النهضة الاسلامية التي تمتلك أكبر عدد من النواب في المجلس. وندّد المرصد التونسي لاستقلال القضاء (منظمة مهنية) بشدة بـ«الانحرافات الخطرة» التي تقف وراءها «النهضة» وحلفاؤها الذين «يحاولون إجازة التدخل المباشر للسلطة التنفيذية في تعيين القضاة السامين في المناصب القضائية العليا».
ودعا المرصد الى إضراب في المحاكم، وطلب «من كافة الأحزاب الوفاء بتعهداتهم بدعم استقلالية القضاء».
وقالت أربع منظمات بينها العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش»، في بيان، «إن مشروع باب السلطة القضائية يتضمن العديد من الفصول الإيجابية تأخذ في الاعتبار المبادئ العامة ذات العلاقة باستقلال السلطة القضائية». لكنها أشارت الى العديد من الاجراءات الملتبسة جداً، ويمكن خصوصاً استخدامها «بشكل سيّئ من السلطتين التنفيذية والتشريعية».
وإزاء انتقادات القضاة، تردّ حركة النهضة مندّدة بمحاكمة نيات، في وقت كان فيه الاسلاميون من ضحايا محاكم خاضعة إبان عهد زين العابدين بن علي، حيث استخدم النظام السابق طويلاً المحاكم لإسكات معارضيه وسجنهم. وحُكِم على آلاف الاسلاميين وعُذِّب عدد منهم. ومع ذلك، فإنه لم يتم القيام بأي إصلاح للقضاء بعد ثورة 2011. وقال المتحدث باسم «النهضة»، زياد العذاري، «نحن أحرص من غيرنا على استقلال القضاء، لأن أنصار النهضة هم أكثر من عانى من القضاء الظالم». وأضاف أن «ما هو موضع نقاش هو كيف نقيم توازناً بين السلطات الثلاث من دون السقوط في «حكومة القضاة» وهذا ليس منافياًَ للمبادئ الديموقراطية»، معتبراً أن الحركة «بصدد مواجهة مطالب قطاعية لا علاقة لها باستقلال القضاء».
وبعد نحو أسبوعين من بدء التصويت على مشروع الدستور التونسي الجديد فصلاً فصلاً، لا يزال يتعين على المجلس التأسيسي أن يناقش ويصوّت على نحو ثلث فصول الدستور المكوّن من 146 فصلاً موزعة على عشرة أبواب، وذلك قبل التصويت على مشروع الدستور كاملاً.
(أ ف ب، الأناضول)