النقارين | الطريق إلى النقارين يختصر مشهد الحرب في سوريا. فالقرية التي تبعد عن مركز مدينة حلب أقل من 15 كيلومتراً وأكثر من 35 كيلومتراً عبر طريق التفافي، باتت موحشة بمبانيها المدمّرة. يستغرق الوصول إليها أكثر من ساعة وربع بعدما كان أقل من 10 دقائق في ما ما مضى.
النقارين، عاصمة تجارة المواشي والأعلاف في شمال البلاد، تضم مئات المستودعات والمنشآت الصناعية والتجارية، وقعت في قبضة المسلحين منذ سنة ونصف السنة. ومنذ ذلك الحين، باتت ثروتها الهائلة مصدر تمويل و«تشويل» للمسلحين الذين «قبروا الفقر»، وفق تاجر الأعلاف أحمد الجبريني الذي كان يشرف على نقل ما تبقى من علف حيواني في مستودعه الضخم. «الله محيي الجيش، خلصونا من الارهابيين الذين سرقونا وخربوا حياتنا»، يقول الجبريني، من دون أن ينسى توجيه نصيحة لـ«العقلاء منهم بوجوب تسليم السلاح لأن الجيش حسم الحرب وسيطهّر كل البلد منهم».
إلى جانب الطريق العام، معمل «برسيل» الشهير لمواد التنظيف. توقّف المعمل منذ شهور بعدما نُهبت مستودعاته، وحُرقت معظم خطوط إنتاجه. وإلى جانبه يقع مقر «الهيئة الشرعية الرباعية»، التي كانت تأخذ دور القضاء والمحاكم.

تأمين مطار حلب الدولي

تمكّن الجيش من تحرير قوس استراتيجي يمتد من مشارف مطار حلب الدولي إلى تلال استراتيجية تحيط بالمدينة الصناعية، وتشرف على الطرقات الواصلة إلى حلب، ومن ثم قوس آخر يمتد من تلة التيارة إلى تلة الـ57 وتلة المجبل. وهذا يعني تأمين هبوط آمن للطائرات المدنية في مطار حلب الدولي. يعلّق أحد القادة العسكريين بأنّ العملية كان هدفها «تجريد مشغلي الجماعات المسلحة من ورقة ضغط في أي جلسة مفاوضات في جنيف 2 أو غيرها... إغلاقهم المطار عبر الإرهاب هو ورقة ضغط نزعناها منهم». ويضيف أنّ «تأمين المطار كان هدفاً حيوياً لنا، إضافة إلى قطع طرق الامداد بين الجماعات المسلحة في حلب والريف الشرقي... وحرمانهم من التمويل نتيجة غنى المنطقة والثروات الكبيرة في مستودعاتها».

معركة تحرير النقارين

يدرك المسلحون أن تحرير الشيخ نجار القريبة يعني سقوط المدينة الصناعية بيد الجيش خلال فترة وجيزة. المعارك بينهم لا تهدأ بالقرب منها، فسرعان ما وصل إليها «جيش المجاهدين» و«الجبهة الإسلامية» اللذان استغلا تقدّم الجيش السوري لتصفية الحساب مع عناصر «داعش» في المنطقة بعدما انسحبوا من المدينة الصناعية، وقطعوا طريق جبل بدرو ــــ الشيخ نجار وتمركزوا في مساكن هنانو. أصعب مراحل المعركة في النقارين كانت أثناء تطوير الهجوم، والمضي في الاقتحام، عندما علق جنديان في فخ غير متوقع وغريب من نوعه، إذ عمد المسلحون قبيل انسحابهم إلى إلقاء مواد لاصقة بكميات كبيرة في أحد الممرات الاجبارية التي يتحتّم على الجيش التقدم عبرها لقنصهم بسهولة. وأنقذ الجنديان بغطاء ناري كثيف على مبنى كان يتوقع أن يكون القناصة متمركزين فيه. أحدهما أصيب إصابة بالغة استدعت نقله إلى المستشفى والآخر أصيب برصاصة لم تمنعه من البقاء في المعركة.
كذلك فكّكت وحدات الهندسة العبوات والشراك المتنوعة، وأخطرها وفق أحد خبراء الألغام كان «شاحنتين مفخختين بأطنان من المواد المتفجرة وأربع سيارات ومئات الألغام الأرضية المضادة للدروع وعبوات ناسفة».
في المقابل، أصرّت «الجبهة الإسلامية» وسائر «تنسيقيات» المعارضة، على مدى يومين، على أن النقارين لم تسقط في يد الجيش الذي ألحق بها في ساعات قليلة الزرزور والطعانة وسلسلة التلال الاستراتيجية. فتكررت دعوات المؤازرة التي لم تلق تجاوباً يذكر إلا على صفحات «فايسبوك» التي احتفت بأرتال «المجاهدين» المتوجهين إلى الشيخ نجار. فحيّ هنانو الأقرب إلى الجبهة يشتعل بمعارك هجمات انتحاريي «داعش»، والطريق من حي جبل بدرو بدوره مقطوع بحاجز للتنظيم القاعدي.
اعتمد الجيش السوري في عمليته الأخيرة على نخبة من عناصره، هم خليط من القوات المسلحة و«الدفاع الوطني»، فيما يتحفظ القادة الميدانيون على عدد الشهداء الذين سقطوا خلال العملية، مؤكّدين «أننا كبّدنا الإرهابيين خسائر فادحة».
بداية العام الماضي، تمركزت وحدة من الجيش في «المواصلات»، قرب النقارين، قوبلت بترحاب كبير من الأهالي التواقين إلى إنهاء سيطرة الجماعات المسلحة التي سلبتهم أرزاقهم. وبعد توافد «المجاهدين» إلى النقارين، «أصبح الغرباء حكّاماً علينا. القلة القليلة التي صمدت تحت حكم المسلحين اضطرت إلى النزوح مع تصاعد العمليات القتالية، لم يتبقّ أحد في القرية حتى عائلات المسلحين العشرين من أبنائها»، كما يروي عبد القادر أحمد، أحد القاطنين فيها.
أبو سالم، وهو تاجر مواش وأعلاف، يقول لـ«الأخبار»: «نزحنا جميعاً، حتى عائلات المسلحين. الجيش الآن يساعدنا على العودة وتفقّد أملاكنا»، مضيفاً «لم يبق شيء للأسف سوى الاعلاف لصعوبة سرقتها كلها».
بعيداً، كان أحد الضباط يبلّغ الأهالي الموجودين الحضور لتفقد أرزاقهم، أو نقلها لمن يريد مع إحضار أوراق ثبوت الملكية.
على مفرق القرية، كتب على إحدى اللافتات: إلى جرابلس 110 كلم. وقف أمامها جندي معلّقاً: «إنها ضعفا المسافة التي قطعناها من خناصر إلى النقارين في ثلاثة أشهر... يالله هانت. هذا العام سنصل إلى الحدود التركية».



... وارتياح في ريف دمشق

في ظلّ تسارع وتيرة المعارك في حلب وريفها بين الجماعات المعارضة وتنظيم «داعش»، يحقّق الجيش السوري تقدماً ملحوظاً في تلك المنطقة بعد سيطرته على شركة الكهرباء وحي الحنفية شمال غرب مطار النيرب العسكري شرق حلب، فيما يبدي القادة الميدانيون ارتياحهم لسير المعارك ضد المعارضة في ريف العاصمة دمشق. وصعّد الجيش السوري، أمس، عملياته في بلدات منطقة المرج والنشابية والبلالية والقاسمية ضد تجمعات المسلحين، إضافة إلى دوما وحرستا والضمير في الغوطة الشرقية.
وعلى خط المعارك الدائرة بين الجماعات المعارضة في محافظة حلب، برز تطور جديد في ريف حلب الشمالي؛ إذ انسحب عناصر «الدولة الإسلامية» من مدينة أعزاز على الحدود مع تركيا أمس، بعدما اقتحم مسلحو «الجبهة الإسلامية» و«الجيش الحر» و«جيش المجاهدين» المدينة على مختلف المحاور.
دير الزور: المعركة المقبلة؟
وفي دير الزور، صعّد الجيش السوري ضرباته الجوية على تجمعات المسلحين في الأيام الماضية، ولا سيّما في الحويقة والرشدية، أهم معاقل المسلحين. وتشهد المحافظة حالياً، بحسب ما ذكر مصدر معارض لـ«الأخبار»، «حالة استنفار بين التنظيمات المسلحة تحسّباً لأي هجوم». ويبسط الجيش سيطرته على الجهة الغربية من المحافظة، ويسيطر على مبنى المحافظة ومراكز أمنية. كذلك فإنه لم يفقد السيطرة على مطار دير الزور العسكري ذي الأهمية الاستراتيجية غربي المدينة، إضافة إلى أحد أهم الألوية في المدينة «اللواء 137»، فيما تنتشر جماعات مسلحة في الجهة الشرقية من المحافظة والمحاذية للحدود مع العراق. وتشهد دير الزور معارك عنيفة منذ تشرين الأول 2013، حيث صعّد المسلحون عملياتهم، وخصوصاً بعد اغتيال مسؤول الاستخبارات العسكرية جامع جامع في الشهر نفسه.