مساء أول من أمس، بثت قناة «218» الليبية، حواراً مع رئيس البرلمان، عقيلة صالح، كان قد أجري على هامش «مؤتمر باليرمو»، الذي نظمته إيطاليا بداية الأسبوع الماضي. ورغم ما ساد المؤتمر من تناغم بين الفرقاء الليبيين، باستثناء المشير خليفة حفتر، الذي اقتصر حضوره على اجتماع عقده مع من يعتبرهم «قادة الدول المجاورة والصديقة»، ساد حديثَ صالح نزعةٌ تشاؤمية، في ما يخص الماضي، ولا سيما القريب.بدأ الرجل من بداية مسار المصالحة الليبية، أي مع «اتفاق الصخيرات» الذي وُقِّع في كانون الأول/ديسمبر عام 2015، حين اعتبر ما حصل ضمن ذلك المسار «غير صحيح»، على أن «بعض الحاضرين لا يمثلون الشعب الليبي، وجميعهم غير مخولين للتوقيع على هذا الاتفاق». مع ذلك، جاءت حكومة السراج ودخلت طرابلس بداية عام 2016، لكنها وفق صالح «رفضها البرلمان» مرتين، ما «جعل وجودها مخالفاً للدستور»، وكان سلوكها سيئاً إلى درجة أن «النواب الذين كانوا مؤيدين للحكومة، وعددهم ثمانون (من بين 188)، تراجعوا عن تأييدها». إذاً، المشكلة الأولى المرتبطة بالحكومة دستورية، ما جعل صالح يقول لمنظمي «مؤتمر باليرمو»: «لن أتكلم وأعقب على كلام السراج، لأنني لا أعتبره منذ البداية رئيساً للوزراء».
المشكلة الثانية ترتبط بـ«المجلس الرئاسي»، الذي يُشرف على عمل الحكومة، ويترأسه أيضاً السراج، وفيه ثمانية أعضاء آخرين، اختيروا وفق ترشيحات من البرلمان، ومن «المؤتمر الوطني العام» (حلّ وفق الاتفاق، وعوِّض بهيئة استشارية تسمى «المجلس الأعلى للدولة»)، وحسب تقسيم الأقاليم الثلاثة التاريخية (طرابلس، وبرقة - شرق، وفزان - جنوب). يقول صالح إن هذا الجسد «لن يستطيع قيادة البلاد (بالنظر) للانقسام داخله، حيث قاطعه من قاطع واستقال منه من استقال»، في حين أنّ من المفروض أن يتخذ قراراته بإجماع أعضائه، ويضاف إلى ذلك عجزه عن «الخروج من العاصمة طرابلس، وخرقه الاتفاق السياسي عدة مرات».
أما المشكلة الثالثة، فترتبط بشخص فائز السراج، حيث قال صالح: «عندنا قناعة بأن السيد السراج لن يستطيع قيادة الحكومة، أو فعل شيء، لمعرفتنا به (عندما كان) في مجلس النواب»، مضيفاً: «اتضح أن رأيي سليم، مع زملائي، عندما رفضنا مرتين منح الثقة للحكومة». بقاء السراج رغم معارضته الشديدة من السلطة التشريعية، قاد صالح إلى الاستنتاج أنه «مفروض من الغرب»، والدليل وفق الأخير «تمسكهم به رغم فشله الواضح»، كذلك أبدى استغرابه من هذا الإصرار على بقائه، في حين أنه «لم يكن مرشحاً من الطرفين (خلال مفاوضات الصخيرات)، مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام».
حديث صالح يمثل حلقة أخرى في سلسلة التصعيد ضد السراج


من الصائب أن صالح لم يكن من مساندي السراج منذ البداية، لكن حديثه هذا يمثل حلقة أخرى في سلسلة التصعيد ضده. قبل نحو ثلاثة أسابيع، تحدث الرجل في لقاء مع عدد من وجهاء منطقة أجدابيا عن شخص السراج، مثيراً نفس النقاط تقريباً، لكن بأقل تفصيل وحدّة. لم ينسَ حينها أن يذكّر بالدعم غير المحدود الذي تلقاه معسكر شرق البلاد من مصر و«أبناء زايد»، حكام الإمارات، مشدداً على عبارة قالها له ولي العهد محمد بن زايد، وهي «حلالنا حلالكم»، معقباً عليها بالقول: «ووفى وكفى».
سياق هذا التصعيد، يرتبط إلى حدٍّ كبير بالمشاورات القائمة بين لجنتي حوار من البرلمان و«المجلس الأعلى للدولة» (الذي تجنب صالح التجريح فيه)، حول إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، وتشير المسودات الأولية إلى تقليص عدد أعضاء «المجلس الرئاسي» إلى ثلاثة فقط، وفصله عن الحكومة. عندما سألت المذيعة صالح عن نيته الترشح لمنصب رئيس «المجلس الرئاسي»، أجابها بالنفي، لكنه أضاف: «مع ذلك، لا أحد رفض أن يتحمل المسؤولية إذا رشحه الناس».
ما يدعم هذه الفرضية، تركيز الرجل على تصوير نفسه، خلال المقابلة، كمسؤول حريص على السيادة الوطنية، إذ قال في معرض تفسيره للعقوبات الدولية المفروضة عليه (بسبب تعطيله مسار الانتقال السياسي): «أنا معاقب لأن لي وجهة نظر منحازة للوطن، وأرفض التدخل في الشأن الليبي، وأرفض أن يحكم أي شخص ليبيا من الخارج، القصد إبعادي عن الساحة»، مضيفاً أن «التدخل الأجنبي هو ما خلق المشاكل، من أجل مصالحهم (أي الدول الخارجية)، وذلك حتى على مستوى الأفراد».