رام الله | بدا في السنوات الأخيرة أن مسؤول جهاز «المخابرات العامة» الفلسطينية، ماجد فرج، واحدٌ من أقوى المؤثرين في السلطة الفلسطينية؛ فبحكم حضوره الدائم على مائدة الرئاسة، داخلياً أو خلال اللقاءات مع الزعماء، صار «الباشا»، كما يحلو لأنصاره أن ينادوه، أحد اللاعبين الأساسيين في المشهد، علماً أن نجم الرجل تألّق بعدما ساهم مباشرة في إزاحة اللواء شحادة إسماعيل من منصبه في نيسان/أبريل الماضي، بعدما كان الأخير مستشار الأمن القومي وحظي بثقة رئيس السلطة، محمود عباس، على نحو تاريخي يمتد لأربعين عاماً، أي من قبل وجود السلطة نفسها. ورغم الواقع المُزري في الضفة المحتلة على صعيدي المقاومة والاقتصاد، يتواصل الصراع داخل أجنحة السلطة. وتقول مصادر مطلعة لـ«الأخبار»، إن فرج رتّب تفاصيل إزاحة شحادة «بطريقة خلط فيها حقائق مع انطباعات غير صحيحة، واستغل فيها جملة من الأخطاء العادية التي اقترفتها أكثر شخصيات السلطة في أوقات سابقة. إزاحةُ شحادة، وهو كان يوصف بأنه «أخلص المخلصين لعباس وعائلته»، أعطت لفرج (المعروف بـ«أبو بشار») هالة كبيرة في أوساط المؤسسة الأمنية.مع ذلك، لا تبدو الطريق ممهدة أمام مدير المخابرات على نحوٍ مريح، إذ تصطدم مساعيه ببعض الخصوم التقليديين، وأبرزهم توفيق الطيراوي، أحد مؤسسي جهاز المخابرات العامة، الذي تولى رئاسته بين عامي 2007 و2008 لكنه أقيل في ظروف غامضة. هنا ترجّح المصادر أن الطيراوي، الذي كان قد حُوصر مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، «غير مرغوب فيه أميركياً». من ثم، يبرز اسم المسؤول الأسبق لجهاز «الأمن الوقائي»، والمسؤول الحالي لـ«الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم واللجنة الأولمبية الفلسطينية»، اللواء جبريل الرجوب، الذي يحظى بتأييد فتحاوي جيد، إضافة إلى حضور شعبي في بعض مناطق الضفة وخصوصاً مدينة الخليل (جنوب). وإضافة إلى الطيراوي والرجوب، يأتي ثالثاً رئيس الوزراء الأسبق، رامي الحمد الله، فيما بدا واضحاً خلال الأشهر القليلة الماضية تزايد الهجمات المباشرة، أو التسريبات، عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في صراع الأربعة.
بالعودة إلى إزاحة اللواء إسماعيل، تشير المصادر ذاتها إلى أنه برغم «العلاقات الطيبة التي جمعته مع فرج»، فإن الأخير كان يطمح منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات إلى الحصول على منصب مستشار الأمن القومي، وأن تفريغ المنصب الآن سيُساهم في تقليل حضور الشخصيات المؤثرة في قرار «أبو مازن»، ما سيوفر لـ«أبو بشار» مساحة أوسع، فضلاً عن تقرب أقطاب كثيرين في المؤسسة الأمنية والرئاسة منه، خصوصاً أن ذريعة «التورط في الفساد» التي أقيل بسببها شحادة صارت الغطاء الذي يصفّي فيه الخصوم حساباتهم، كون استغلال الصلاحيات للمصالح الشخصية هو القاسم المشترك الذي يجمع شخصيات السلطة بمن فيهم عباس نفسه. وتلفت المصادر إلى «استثمارات هائلة يمتلكها رئيس المخابرات الذي تشغل زوجته أمل فرج منصب رئيس ديوان الرقابة الإدارية والمالية، كان آخرها فضيحة الحي الدبلوماسي الذي بناه مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي». تضيف المصادر: «شارفت القضية على أن تُفتح في هيئة مكافحة الفساد، لولا تدخل ماجد فرج وحسين الشيخ (وزير الشؤون المدنية) اللذين شكّلا درع حماية للخالدي، خاصة أنه تربطهما به علاقة استثمارية كبيرة عزّزتها الصلاحيات التي يتمتع بها الخالدي، فهو يتحكم بتعيين سفراء السلطة في الخارج»، مُلمحة إلى «تزكية» فرج والشيخ عدداً من أقربائهم وأصدقائهم لتولي مناصب مرموقة في سفارات إيطاليا وجنوب أفريقيا بهذه الطريقة.
وسط هذه المعطيات، يبدو أن القوة التي يتمتع بها فرج لم ينلها من الدور الذي يؤديه في تثبيت الوقائع الأمنية في الضفة فحسب، وإنما من تسويق فرج لنفسه كواحدٍ من الضباط الأمنيين المؤثرين دولياً، إذ حاز الرجل دعماً أميركياً كبيراً بعدما ساهم في قضايا عدة، أهمها عام 2013، حين أعطى معلومات ساهمت في اعتقال نزيه عبد الحميد الرقيعي، المشهور بـ«أبو أنس الليبي»، وهو قيادي في تنظيم «القاعدة» كان مطلوباً لواشنطن.