يحاول «أصدقاء» الأردن من الديموقراطيين في واشنطن إنقاذ الموقف
على جانب الضفة الشرقية، يتمسك الأردن بخيار «السلام» رغم كل ما سبق، بل يتّكئ عليه في رفض بسط «السيادة» الإسرائيلية على الضفة الغربية والأغوار، وهو ينظر بعين الأمل إلى إعلان الإدارة الأميركية، على لسان المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، أن بلادها «تبذل جهوداً حثيثة مع أطراف اللجنة الرباعية وأعضاء مجلس الأمن لاستئناف المفاوضات المتوقفة منذ 2014»، التي كان يشارك فيها الأردنيون بطبيعة الحال، عبر تواصل ثنائي مباشر مع الإسرائيليين. فحالياً، لا حوار أردنياً ــ إسرائيلياً في العلن، وقد لا يكون هناك حوار مباشر أيضاً مع حكومة نتنياهو ــ غانتس الرامية إلى بسط سيطرتها على الأراضي «المحتلة من الأردن» عام 1967. لكن اللافت هنا ما تطالعنا به الصحافة العبرية عن قبول الأردن تسويات بخصوص تمثيل سعودي في مجلس الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية الذي وسعّت الحكومة الأردنية، بقرار من مجلس الوزراء، عضويته، ليزداد العدد من 11 إلى 18 عضواً في شباط/فبراير 2019، وكلهم فلسطينيون. هذه الزيادة أتاحت لشخصيات محسوبة على السلطة في رام الله أن تكون بوزن أكبر في المجلس. أما ما قيل عن قبول عضوية الرياض، مع غياب التأكيد حوله، فإنه كمن يطلق النار على نفسه بالنسبة إلى الحكم الهاشمي في الأردن، خاصة أن من غير المنطقي أن تستعين عمّان بالرياض لمجابهة أنقرة، خصوصاً أن موقف تركيا في هذا الملف أقرب إلى المملكة، بعدما أبدت دعماً للوصاية الهاشمية.
مع هذه المؤشرات الإيجابية الضعيفة، تمشي عمّان بعرج في دفاعها عن الوصاية على أوقاف القدس، وكذلك عن الخيار السياسي الضامن لها، أي «حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية»، فما تمسّكها بذلك إلا لأنه مطلب سيادي داخلي. لكن، رغم الإشادة بالعلاقات وتضافر الجهود بين الأردن والسلطة في هذه المرحلة الحرجة، فإن عبد الله ودائرته المحيطة ممن يصوغون القرار، يدركون أن هذا التقارب غير مفيد، لأن رام الله تعاني من موات واضح ورفض فلسطيني داخلي لها، ولذلك يكبر أملهم بالثقل المصري. تقول مصادر إن ما تريده عمّان من القاهرة أكثر من بيان مشترك رافض للضم، لأن المطلوب فعلياً «تشكيل تكتل من موقّعي معاهدات السلام مع إسرائيل ليكون صدى أي تهديد من أي مستوى مدوياً وأكثر جدية عند الإسرائيليين». المشكلة هنا أن مصر تقيس مصالحها مع محور السعودية ــ الإمارات اللاهث للتطبيع، ما يفقد المملكة دورها كممر إجباري بين عواصم الخليج وتل أبيب، ومن خلفها الطريق الاقتصادي الواعد، وحتى كقناة اتصال رسمية، إذ بوجود الرياض تبدو المرجعية الدينية أقوى لآل سعود منها لآل هاشم، وهذا أكبر مخاوف الأردن التي يلعب عليها الإسرائيليون.
عوائق وسيناريوات
ثمة تعقيدات كبيرة في العلاقة الأردنية ــ الإسرائيلية لا يمكن الانفلات منها بسهولة، فربع قرن من «السلام» لم يجعل من العلاقات طبيعية، فيما استعانت عمّان بالكتمان على تسيير العمل الأمني والاقتصادي وحتى السياسي مع تل أبيب، بل بتحفظ مبالغ به تجنباً لردود الفعل الشعبية التي، على ضعفها وأقليتها، لم تقبل إلى غاية اللحظة الجار الذي تراه عدواً. يدرك الحكم الهاشمي أن المعارضة الباهتة لـ«وادي عربة» لا تخوّله المبالغة في الانفتاح على إسرائيل، بل يمكن القول إن شعبية النظام ترتفع في أوقات التوتر مع العدو، التي تنتهي عادة بتسوية يقبلها القصر، كما حدث في «حادثة السفارة» أو البوابات الإلكترونية في القدس. لكن الأمر الآن يختلف مع وجود حاضنة للتطبيع أكبر وأكثر ثراءً، أي الخليج، ولذلك وصل التلويح الأردني إلى حد التلميح إلى مصير التسوية. لكن ما الأفق المتوقع لأوراق الضغط الأردنية؟
سحب السفير وتجميد العلاقات
تعاقب ستة على منصب السفير الأردني لدى تل أبيب، آخرهم غسان المجالي الذي وافق عليه الإسرائيليون بصفة «سفير فوق العادة» في 18 أيلول/سبتمبر 2018. خلال مفاصل محددة، منها انتفاضة الأقصى الثانية (2000)، سحبت عمّان سفيرها، لكنها ولا مرة أغلقت السفارة، إذ يبقى القائم بأعمال السفير يدير العلاقات الفعلية التي لا تنقطع، بل يمكن أن يستمر هذا لمدد طويلة، كما حدث بين 2000 و2004. لذلك، سواء استُدعي السفير للتشاور أم سحب إلى الوزارة، لا يمكن قطع العلاقات المتشابكة، خصوصاً في موضوع التنسيق الأمني وضبط الحدود، عدا العلاقة مع رام الله التي تمر بالضرورة عبر تل أبيب.
إلغاء اتفاقية الغاز
بعد أخذ ورد في موضوع اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، ومع تنامي السخط عليها، وتبرّؤ مجلس النواب منها، جاء قرار «المحكمة الدستورية» ليقطع الطريق على أي مناهضة لها، في وقت يسري فيه «قانون الدفاع» في المملكة بسبب «كورونا»، كما تسيّر الحكومة الأعمال ومنها تحديد الحركة وإعلان حظر التجوال. وكانت «الدستورية» قد أقرّت في منتصف أيار/مايو الماضي أنه لا يجوز إصدار قانون لإلغاء الاتفاقية، لأن ذلك يتعارض مع التزامات كانت المملكة قد صدّقت عليها بمقتضى قانوني. وهذه الاتفاقية لم تعرض أصلاً على مجلس النواب، كما يترتب شرط جزائي على إلغائها يقدّر بعشرة مليارات دولار أميركي، وهو شرط مكلف جداً، ولا سيما مع الخسائر الفادحة للاقتصاد الأردني في أزمة كورونا، ما يعني استبعاد هذا الخيار حالياً.
إلغاء «وادي عربة»؟
تتناقل الأوساط غير الرسمية معلومات عن إمكانية تنفيذ عبد الله هذه الخطوة، خصوصاً بعد إعلانه شخصياً رفض التجديد لملحقين منها، المتعلقين بالباقورة والغمر، وارتفاع شعبيته من بعد ذلك. وهو ورث الاتفاقية من أبيه عام 1994، وكان آنذاك مجرد أمير عادي في العائلة الملكية وبعيداً من القرارات. لكن منذ توليه الحكم في 1999، عايش 21 عاماً من عمرها، اتسمت بتوترات «مقدور» عليها. لكن هذه هي المرة الأولى في التصادم الحقيقي مع تل أبيب، فيما تعرف دوائر الحكم أن أي تحلل منها لا يكون بمجرد تغريدة توجه إلى الحكومة للتنفيذ. فوفق المادة 29 من الاتفاقية الخاصة بحل النزاعات، تشير الفقرة الأولى إلى التفاوض وسيلة لحل النزاعات الناتجة عن تطبيق بنود الاتفاقية أو تفسيرها. أما الفقرة الثانية، فتلفت إلى حل النزاعات بالتوفيق بين الطرفين أو إحالتها إلى لجنة تحكيم، وهذا يعني أن عمّان تشتري الوقت لحل «نزاع» سيكون غالباً على موضوع ترسيم الحدود المحدد في الفقرة الثانية من المادة 3 من المعاهدة (تم تحديد الحدود بين الطرفين دون المساس بوضع أي أراضٍ وقعت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967).
أما النزاع الآخر بخصوص الوصاية الهاشمية، فطبقاً لما ورد في الفقرات الثلاث من المادة 9 بعنوان «الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية»، لا وجود لمصطلح الوصاية، وكل ما هو موجود «احترام للدور الأردني». وفيما يخص الفقرة الثالثة بالذات، «سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاثة للعمل باتجاه تفاهم ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة والتسامح والسلام». وأصلاً هناك تطابق لهذا مع ما جاء في «صفقة القرن»، إذ سيكون للأردن دور المنسق السياحي الذي يعمل في لجنة إسرائيلية مشرفة على القدس، وهي لجنة تتدخل فيها واشنطن وتل أبيب، وسيكون أعضاؤها من أطراف أخرى، ما يعني دخولاً سعودياً وإماراتياً من أوسع الأبواب. كل ذلك يضع فكرة إلغاء اتفاقية التسوية أو أجزاء منها في مهب الريح.