تونس | تشهد تونس تطورات من المتوقع أن تغير في المشهد السياسي المتكوّن منذ ثلاثة أعوام، حيث يرجّح أن تسمح الانتخابات المقبلة بعودة أركان نظام بن علي الى الحياة السياسية من جديد.
وفي خطوةٍ تمهّد لانتهاء الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد منذ 2011، أقرّ المجلس الوطني التأسيسي قانون الانتخابات الجديد، الذي سيتيح تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية قبل نهاية العام الحالي، بحسب رئيس «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» شفيق صرصار.
بالتزامن، قبل الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي (الصورة) استقالة مستشاره السياسي عبد العزيز كريشان، بحسب بيان رئاسي، لم يوضح أسباب الاستقالة.
قانون الانتخابات الذي أقرّ أمس أتى خالياً من الفصل ١٦٧ المتعلق بالعزل السياسي، الذي جرى إسقاطه من مشروع القانون، بعد عامين ونصف عام من التجاذب. سقوط هذا الفصل يمثل مؤشراً مهماً على حجم التحولات في المشهد التونسي. فقد استعملت احزاب الترويكا هذا الفصل لابتزاز أنصار النظام السابق، وبخاصة رجال الاعمال، لكنهم اصطدموا بانسحاب حركة «النهضة» من «ائتلاف الإقصاء»، إذ تخلّت «حركة النهضة» رسمياً عن هذا الفصل، بمبادرة من زعيمها راشد الغنوشي، الذي رأى أن الإقصاء يجري فقط عبر صناديق الاقتراع. وذهب الغنوشي أبعد من ذلك حين رأى ان هذا الفصل سيكون تأسيسا للفتنة السياسية بين الأفرقاء. وهذا الطرح هو نفسه الذي قدمه زعيم حركة «نداء تونس» الباجي قائد السبسي، حين رأى أن هذا القانون «لن يمر لأنه يتعارض مع مبادئ العدالة الانتقالية، فضلا عن تأسيسه للفتنة بين التونسيين».
سقوط هذا الفصل مر بثلاث مراحل، وقد باءت كل محاولات تمريره بالفشل. وبرغم أن نحو نصف كتلة حركة النهضة لم يلتزموا «تعليمات» قيادة الغنوشي، فقد سقط الفصل. وسيتمكن أنصار النظام السابق، الذين جرى إقصاؤهم من المشاركة في الانتخابات الماضية، من الترشح في ظل قانون خالٍ من أية إشارة الى عزلهم.
الأشخاص الذين وقفوا ضد السماح لأنصار النظام السابق بالمشاركة في الانتخابات المقيلة، هم من حزبي «المؤتمر من اجل الجمهورية»، بزعامة منصف المرزوقي، والأحزاب المنشقة عنه، وبخاصة «حركة وفاء» و«التيار الديمقراطي» و«التكتل من اجل العمل والحريات»، بزعامة رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، مع بعض المستقلين، لكن هذه المجموعة لم تحصل على النصاب الكافي، اذ لم يتجاوز عدد الذين صوتوا مع العزل المئة عضو من ٢١٧. ومع إقرار القانون الانتخابي والحسم في ملف العزل السياسي، من المتوقع أن تتغير الخارطة السياسية في تونس. نظريا، فقدت الأحزاب التي رفعت شعار الإقصاء مثل حزبي «التكتل من اجل العمل والحريات» و«المؤتمر من أجل الجمهورية» والأحزاب المنشقة عنه، اية إمكان لتحقيق نسبة محترمة في الانتخابات القادمة، إذ تؤكد كل استطلاعات الرأي أن الحزبين اللذين شاركا «النهضة» في الحكم بعد الإنتخابات الماضية لم تتجاوز نسبة حضورهما في نيات التصويت الواحد بالمئة على عكس الأحزاب الأخرى، وخصوصاً «حركة نداء تونس»، التي تتصدر نيات التصويت بنسبة تصل الى ٣٩ بالمئة منذ عام ونصف عام، علماً أنها كانت متهمة الى وقت قريب بـ«إعادة تأهيل» بقايا النظام السابق.
إن سقوط فصل العزل السياسي سيقود نظرياً على الأقل الى عودة أنصار النظام السابق، الذين توزّعوا بين ثلاثة أحزاب كبرى، وهي «حركة نداء تونس» و«المبادرة الوطنية الدستورية» و«الحركة الدستورية» وبنسبة أقل «حركة النهضة». فكل المؤشرات حاليا تؤكد ان التنافس الانتخابي سينحصر بين هؤلاء، وبالتالي فان سقوط فصل العزل السياسي يعني شهادة وفاة للأحزاب التي قادتها ثورة يناير الى الحكم، اذ لم يكن عدد أنصار حزبي «المؤتمر» و«التكتل» يتجاوز بعض الأشخاص قبل سقوط النظام السابق .
بعد ثلاث سنوات من غياب الحزب الحاكم سابقا «التجمع الدستوري الديمقراطي» قانونيا ورمزيا، نجح أنصاره ومنتسبوه في العودة إلى الحياة السياسية من أبواب أخرى، كما نجحوا في الضغط بطرق مختلفة لإسقاط فصل العزل السياسي، فهل يؤشر هذا الى عودتهم الى الحكم بالتحالف مع حركة النهضة الإسلامية؟