نشر أول من أمس «ميثاق شرف ثوري»، وقّع عليه كل من «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، «جيش المجاهدين»، «فيلق الشام»، «ألوية الفرقان»، و«الجبهة الإسلامية»، وتألف من 11 بنداً «سعياً لتوحيد الجهود وفق إطار عمل مشترك يصبّ في صالح الثورة السورية».
مصادر «جهادية» متقاطعة رأت في الميثاق مؤشراً على بدء عمل «صَحوي» منظّم، لا يستهدف هذه المرة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» فحسب، بل يتعداه إلى كل «المهاجرين» (التسمية المعتمدة للمقاتلين من غير السوريين)، وأنّّه يمكن اعتبار «الميثاق» استكمالاً لعملية التفاف طويلة استهدفت «الجهاديين المهاجرين» بدأت ملامحها منذ انطلاقة «الحرب الأهلية الجهادية» بين «داعش» من جهة و«جبهة النصرة» وحلفائها من جهة أخرى، وتكرّست مع إصدار السعودية قوانين «تحدّ من تدفق المجاهدين السعوديين إلى سوريا»، وأخرى تعتمد «لائحة إرهاب» خاصة بها ضمّت عدداً من المجموعات «الجهادية» التي فقست من البيضة السعودية أساساً، وتوّجت أخيراً بالميثاق الذي يبدو توقيته لافتاً بعد زيارة وفد «الائتلاف» المعارض للولايات المتحدة، ومباركة رئيسه أحمد الجربا بلقاء مفاجئ مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.

لا يمكن الركون
إلى جدّية الموقّعين على «الميثاق»
وباستثناء بنود قليلة فيه، لا يمكن الركون إلى جدية المجموعات الموقّعة على «الميثاق» في تطبيقه، والمرجّح أنه مجرّد استعراض دعائي شبيه بالقوانين السعودية.
ويبدو أوفر البنود حظاً في الجدية هو البند السادس الذي شكّل هاجساً لمناصري «الجهاد العالمي». وينص على أن «قوانا الثورية تعتمد في عملها العسكري على العنصر السوري، وتؤمن بضرورة أن يكون القرار السياسي والعسكري في الثورة سورياً خالصاً، رافضةً أي تبعية للخارج». وجاء البند السابع مكملاً للنقمة «الجهادية»، إذ نص على أن «الشعب السوري يهدف إلى إقامة دولة العدل والقانون والحرية بمعزل عن الضغوط والإملاءات»، الأمر الذي يتناقض مع أهداف «الجهاديين» في «إقامة دولة الإسلام». واللافت أيضاً أنه يتناقض مع «ميثاق الجبهة الإسلامية»، المنادي بـ«دولة إسلامية» و«مجتمع إسلامي حضاري في سوريا يُحكم بشرع الله». ولا تبتعد باقي المجموعات الموقّعة عن «الجبهة الإسلامية» في توجهاتها «الإسلامية» المعلنة منذ تأسيسها، الأمر الذي يبدو دافعاً لابتداء الميثاق ببند يحاول دفع «تهمة العلمانية» عنها، وينص على أن «ضوابط ومحددات العمل الثوري مستمدة من أحكام ديننا الحنيف بعيداً عن التنطع والغلو».
وعزز البند الرابع الهواجس «الجهادية»، إذ ينصّ على أنه «انطلاقاً من وعي هذه القوى للبعد الإقليمي والدولي للأزمة السورية، فإننا نرحّب باللقاء والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية المتضامنة مع محنة الشعب السوري، بما يخدم مصالح الثورة»، ما يجعل البند السادس غير معنيّ باللاعبين الإقليميين والدوليين، ويحصر اختصاصه بـ«المهاجرين».
واشتمل الميثاق على بنود تهدف إلى مغازلة الرأي العام الدولي، وهي الثاني، والثامن، والتاسع، والعاشر. وتنص تباعاً على أن «للثورة السورية المسلحة غاية سياسية هي إسقاط النظام برموزه وركائزه كافة وتقديمه إلى المحاكمة العادلة بعيداً عن الثأر والانتقام»، و«الثورة السورية هي ثورة أخلاق وقيم تهدف إلى تحقيق العدل والحرية والأمن للمجتمع السوري بنسيجه الاجتماعي المتنوع بكافة أطيافه العرقية والطائفية»، و«تلتزم الثورة السورية باحترام حقوق الانسان، التي يحث عليها ديننا الحنيف»، و«نرفض سياسة النظام باستهداف المدنيين بمختلف الأسلحة، بما في ذلك السلاح الكيماوي، ونؤكد على التزامنا بتحييد المدنيين عن دائرة الصراع، وعدم امتلاكنا أو استخدامنا لأسلحة الدمار الشامل».
أما البند الثالث، فقد أكّد أن «الثورة تستهدف عسكرياً النظام السوري الذي مارس الارهاب ضد شعبنا بقواه العسكرية النظامية وغير النظامية، ومن يساندهم كحزب الله ولواء أبي الفضل العباس، وكل من يعتدي على أهلنا ويكفرهم كداعش». وحملت العبارة الأخيرة منه طمأنة لدول الجوار، عبر تأكيد أن «العمل العسكري ينحصر داخل الأرض السورية»، فيما يمكن وصف البند الخامس بأنه يحرص على دغدغة مشاعر «الحالمين الثوريين»، عبر «الحفاظ على وحدة التراب السوري، ومنع أي مشروع تقسيمي بكل الوسائل المتاحة هو ثابت ثوري غير قابل للتفاوض». أما البند الأخير، فقد خوّل المسلحين الاستحواذ على كلّ ما تطاله أيديهم من مُقدرات البلاد، ونصّ على أن «كل ما يسترد من النظام هو ملك للشعب السوري، تستخدمه قوى الثورة».

موقّعو الميثاق «مرتّدون»

الميثاق أثار ردود فعل غاضبة في صفوف «الجهاديين» من «مهاجرين» و«أنصار». وقال مصدر «جهادي» لـ«الأخبار» إنه «يجب اعتبار موقّعي الميثاق مرتدين عن مقاصد الشريعة، ويجري عليهم حكم الاستتابة، فإن لم يتوبوا فليبشروا بحرب ردّة».
وأسهبت مصادر «جهادية» في تعداد «ما اقترفه موقّعو الميثاق من جرائم بحق الجهاد»، وعلى رأسها «التنازل عن مطلب تحكيم الشريعة وإقامة دولة الإسلام، والتخلّي عن أعظم مقصد لقيام الجهاد الشامي على دولة البعث والرفض (...) وبيع البلاد في سوق النخاسة الدولي»، و«التعهد بإقامة دولة قُطرية على منهاج سايكس وبيكو، وهي ذات الدولة التي تعهد بها (قائد حركة «أحرار الشام») حسان عبود في أحد لقاءاته، والتي وصفها بأنها دولة لا تخيف الغرب».