منذ أن يئس الإسرائيليون من إنهاء صراعهم مع الفلسطينيين في عهد رئيس السلطة محمود عباس، بدأ الإعلام العبري الحديث عن خليفة الرجل الذي أتم العام التاسع والسبعين قبل أشهر. وأشاعوا أن «الرئيس الشره التدخين والمحب للمالبورو» يبحث كل مدة عن نائب له حتى لا تطير السلطة إلى يدي غريمته «حماس». تلقفت هذا قوى الإقليم التي ترى فعليا أن دور «أبو مازن» وما طرحه من مبادرات قد انتهى، وجاءت التحليلات لتتنبأ باسم الرئيس المقبل.
خلال الأيام الماضية قفز اسم لم يطرح في «أوراق الكوتشينه الفلسطينية»، يعود إلى اللواء المستقيل جبريل الرجوب، الذي يشغل حاليا منصب رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطينية، وذلك ضمن أوراق مسربة قيل إنها محضر اجتماع بين الأخير من جهة، وأمير قطر تميم بن حمد، ووصلت «الأخبار» نسخة عنها. في المحضر يظهر تميم مرحّبا بالرجوب باسم «الرئيس»، فرد عليه اللواء قائلا إن ذلك يأتي بتشجيع الأمير القطري وثقته الكبيرة التي قادتهما إلى «اللقاء على انفراد». ويمضي الاثنان في سرد التفاصيل المتعلقة بوضع كل من عباس، والنائب المفصول من فتح محمد دحلان، وتأثير ذلك على التصور القطري لتسلم الرجوب مقاليد الرئاسة بعد أن «يرتاح عباس وفق سنة الحياة»، على حد تعبير تميم.
ما يجعل البحث عقيما في التأكد من حدوث هذا اللقاء بالذات أن الرجوب بصفته «الكروية» زار قطر أكثر من مرة تحت غطاء الاتحاد العام للكرة، و«الدعم القطري السخي» للرياضة الفلسطينية، وهو ما يمنح الطرفين مجالا كبيرا لنفي محضر اللقاء المسرب، لكن ما يثير الشكوك حول وجود دور سياسي للواء المستقيل أن خروجه من دائرة القرار أتى بعدما كان رئيسا لجهاز أمني كبير في الضفة المحتلة، وعقب اتهامات كبيرة له بشأن تسليم مقاومين من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» إلى إسرائيل من أجل النجاة بنفسه من حصار مقره في بيتونيا، وهو ما رد عليه الرئيس الراحل ياسر عرفات في ذلك اليوم بصفع الرجوب، الذي اعتزل العمل الأمني والسياسي لينتقل إلى الرياضة!
يُعلم أن نائب الرجوب في اتحاد غزة هو عبد السلام هنية، ابن رئيس وزراء الحكومة المقالة التابعة لـ«حماس»، وحافظ اللواء على علاقة قوية معه والتقيا أكثر من مرة في عدة محافل، وذلك بعد مراحل من التوتر والتحسن في علاقة اللواء بـ«حماس».
في المحضر يتحدث تميم عن تردد أميركي في التغيير، وبناء عليه أوصى كل من رئيس الاستخبارات جون برنيان ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، مندوب الأمير (غانم الكبيسي)، بضرورة الاتفاق على النقاط الرئيسية مع الإسرائيليين، ثم إجراء التغيير على أن تضمن قدرة رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل على ضبط حركته في غزة، وبقاء السلطة في الضفة بقيادة فتح، «أو الاتفاق مع حماس على قيادة مشتركة في المنظمة والسلطة مع ضمان الهدوء لإسرائيل».
وتساءل تميم عن إمكانية عقد الرجوب تحالفا في هذا السبيل مع الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي، بعدما «رغب الأميركيون عن دحلان لأنه لا يلتزم». فقاطع اللواء محدثه قائلا إن «الأميركيين يظنون أنهم يعرفون كل شيء، لكنهم يأخذون معلوماتهم من الفلسطينيين، وحتى من زوجة مروان، لذلك ليس لديهم الحقيقة لأن إسرائيل ترفض إطلاق مروان ولا تستطيع واشنطن فرض ذلك عليها».
وأضاف: «البرغوثي ضعفت شعبيته بسبب طول بقائه في السجن، وإذا أُفرج عنه فستزول عنه صورة البطل، فضلا على أن جزءا من فتح لا يحبه، أما بالنسبة إلى دحلان، فهو انتهى، وهناك تخوف من أن له مناطق نفوذ»، متابعا: «بعض أتباعه يتواصلون معي ويظنون أني أدافع عنهم، لكنني أضغط عند أبو مازن ليتخذ قرارات بفصل كل جماعة الدحلان حتى لا يكونوا في انتخابات فتح».
وكان عباس قد قرر، قبل أسبوعين، فصل خمسة أشخاص من عضوية «فتح» عرفوا بموالاتهم لدحلان تحت تهمة «التجنح»، وهم، ناصر جمعة، ورشيد أبو شباك، وعبد الحميد المصري، وماجد أبو شمالة وسفيان أبو زايدة. وبينما تعذر الوصول إلى أبو زايدة، ردّ أبو شمالة عن سؤال «الأخبار» بشأن المحضر المسرب قائلا: «قرأت المحضر مثلي مثل الآلاف من كوادر فتح وشعبنا، وأنا من جانب لا أستبعد صحة ما ذكر، كما لا أؤكده كليا»، مستدركا: «في كل الأحوال نعلن رفضنا التدخل في شأن الوطن، والشأن الفتحاوي من أي طرف كان».
بشأن ما ذكر عن قرار الفصل وتزامنه مع ما سرب في اللقاء بين تميم والرجوب، علّق أبو شمالة أن هناك تزامنا بين الحديث الأخير وفصلهم من الحركة «وخاصة أن القرار جاء مخالفا للنظام الداخلي لفتح، ولم تُستشر فيه اللجنة المركزية»، بل ذهب أبعد من ذلك حين أشار إلى أن «التحرك لطرح اسم رئيس جديد في هذا الوقت له علاقة بالانتخابات الداخلية في الحركة والانتخابات الرئاسية والتشريعية، لكن أصل الحملة بدأ منذ قرار محكمة في رام الله بحق دحلان، والحكم عليه بالسجن بتهمة التحقير». وتابع: «نعدّ أنفسنا رقما يصعب تجاوزه، ولن يكون بالسهولة المرور عن مجموعة لها تاريخها في فتح، كما أن القرارات غير الرسمية لا تمثل إلا من اتخذها»، في إشارة إلى عباس.
اللافت أن اسم الرجوب (62 عاما) لم يسلط عليه الضوء إعلاميا في الحديث عن «خلفاء عباس»، فمثلا إيهود يعاري، وهو صحافي إسرائيلي، كتب منتصف أيار الماضي تحت عنوان «لغز الخلافة الرئاسية في السلطة الفلسطينية»، عادّا قيادات سلطوية من كبار العمر يمكنها أن تجلس على ذلك الكرسي، وأولهم ندّ عباس السياسي دحلان، و«الأسير المحبوب في فتح» البرغوثي، ورئيسا الوزراء السابقان سلام فياض وأحمد قريع، وناصر القدوة، وقيادات بارزة في «فتح» مثل توفيق الطيراوي، ومحمد اشتيه، ومحمود العالول. وأخيرا رئيس المجلس التشريعي والمنضوي في «حماس» عزيز دويك. وأضاف يعاري في مقالته المنشورة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «تحدث رئيس السلطة للأميركيين عن إرهاقه المتزايد، ورغبة أسرته في أن يتنازل عن السلطة، وعن قراره الامتناع عن خوض الانتخابات المقبلة التي اتفق عليها مع حماس... حتى لو لم تجر الانتخابات هناك حاجة ماسة إلى معالجة مسألة الخلافة الرئاسية مع اقتراب مؤتمر فتح».
بالعودة إلى المحضر، يقول الرجوب مخاطبا أمير قطر: «سأبدأ، أريد الحديث مع جماعة دحلان عندما يكون أبو مازن قد أوصلهم إلى النقطة الصفر، أما هو شخصيًا، فقد انتهى ولا حديث معه، وأتعهد لسموك ذلك... كونوا مطمئنين فهو الآن يتورط في عمليات اغتيال عندنا، وهذا ما يجب أن يفهمه الأميركيون، وخصوصا أن الإسرائيليين يعرفون أكثر منهم».
عند هذه النقطة، تأتي إشارة الصحافي الإسرائيلي إلى أن هناك ماضيا طويلا من العداوة الشرسة بين الرجوب ودحلان تعود إلى ما قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو، «وذلك في تونس عندما شغلا منصبي رئيس لجنة الضفة ورئيس لجنة غزة على التوالي. وكلاهما تعرّض لانتقادات شعبية لاذعة خلال عملهما في قيادة «جهاز الأمن الوقائي».
تميم استوقف حديث الرجوب بالقول: «وزير خارجيتنا التقى أبو مازن في لندن، كما التقى جون كيري، ونقل لي أن الأميركيين غير متشجعين للضغط على إسرائيل بشأن خليفة عباس، لأن أبو مازن قال إن وضعه مريح، وإن وضع تل أبيب غير سهل»، معقبا: «هذا كلام عجيب لأنكم إن لم تصلوا إلى حل الآن مع إسرائيل، فبعد سنتين لن تجدوا شيئا تفاوضون عليه!». يجيب اللواء: «هذا صحيح لكن القضية تحتاج وقتا للترتيب ودعما متواصلا من سموكم... الحقيقة أن أبو مازن وضعنا في موقف صعب».
تعليقا على ذلك، قال النائب المستقل في المجلس التشريعي حسن خريشة إنه اطلع على المحضر لكنه لا يمتلك معلومات من مصادر خاصة تؤكد أو تنفي له ما ورد. وأضاف لـ«الأخبار»: «هي قضية سهلة التصور صعبة التطبيق، لأنه لا يمكن إدخال أحد إلى كرسي الرئاسة إلا عبر الانتخابات، وشخص مثل الرجوب رسب في الانتخابات التشريعية فكيف يمكنه الوصول إلى الرئاسة؟». وأرجع قضية «من يخلف عباس» إلى أن الأخير طرحها بنفسه عام 2005 بعد فوزه بالانتخابات بأيام، حين طرح ضرورة وجود نائب له، «فاعترضت على ذلك بسؤاله هل أنت خائف من أن يكون منصب النائب من حصة حماس، فأشار إلي بذلك رغم انزعاج الحاضرين من الحديث، ومنهم عضو اللجنة المركزية لفتح عباس زكي». أما زكي، فرفض التعقيب لـ«الأخبار» على هذه القضية، مضيفا بسخرية: «كل ما له علاقة بقطر نسيته، ولا أتعامل معه منذ زمن».
خريشة عاد ليؤكد أن قضية النائب طرحت بعد 4 شهور من ذلك الحدث، مكملا: «كنت النائب الأول في التشريعي، واقترحنا ضرورة أن يصوت المجلس على شخص النائب، وأن يحدد صلاحياته ثم ماتت القضية... هكذا هم في السلطة يطرحون أمورا وسرعان ما تختفي!». وذكر أنه جرى اقتراح أن يكون منصب نائب الرئيس عبر الانتخاب الشعبي أو نواب التشريعي. بشأن الوثائق القطرية قال: «أي شخص يطرح نفسه دون خلفيات تاريخية كبيرة لن ينجح، كما أن الشعب حساس من التدخل الخارجي في شأن كهذا، فمجرد ورود اسم الرجوب حاليا في هذه المحاضر يعني استحالة أي فوز له لاحقا، لأن ترشحه سيُربط بالسياق القائم».

اللواء يزور قطر
دوما بصفته «الكروية»
ما يغطي على أي
لقاء سياسي


هناك ماض طويل
من العداوة بين رجوب ودحلان منذ وجودهما في تونس

ويخفف النائب المستقل من وقع ما سماه الفتحاويون المحسوبون على تيار عباس «المؤامرة»، مستدلا على ذلك بـ«الأزمة التي تلت وفاة عرفات، وحالة الإرباك بسبب الضغوط الأميركية والإسرائيلية لفرض أشخاص معينين، لكن عباس جاء بالانتخابات بغض النظر عمن قاطعها، وإن كان للضغوط تأثيرها الواضح، لكنها ليست عاملا حاسما». وتابع: «أي محاولة لفرض رئيس مهما كان له من جيش ومؤسسات سينزع عنه الغطاء الشعبي والرسمي ويدخله في حالة مواجهة مع كل الفلسطينيين».
أما عن «حماس»، فذكر المحضر أن هناك علاقة جيدة تربط الرجوب بمشعل، وأن الأول يخشى على الأخير القدوم إلى مصر حتى لا يحط المسؤولون في القاهرة من قدره، وهو ما شدد عليه تميم مطالبا بالتمسك بمشعل. بعد ذلك عاد الرجوب ليختتم المحضر بضرورة عقد لقاء مع مسؤولين قطريين من أجل حل إشكالات، منها التسريع في حل توقف استقدام 20 ألف فلسطيني للعمل في الدوحة، وإصدار مرسوم أميري بإعادة حسم 5% من رواتب الفلسطينيين لمصلحة المنظمة «لأن حل هذه القضايا يساعدني على الصعيد الشخصي»، يقول رئيس اتحاد الكرة.
«حماس» مارست بدورها تجاهلا إعلاميا كبيرا للقضية، وهو سلوك مشابه لما حدث بعد أزمة عباس ـ دحلان، حين قالت إنه شأن فتحاوي داخلي يضر سبل المصالحة. يضيف النائب عن كتلة «حماس» في التشريعي، إسماعيل الأشقر، بالقول: «منّ الله علينا بالمصالحة، ومعنى ذلك أننا لا نريد العودة إلى دائرة الانقسام، لذلك نربأ بأنفسنا أن نؤيد أي اتجاهات فيها تقسيم لفتح، التي يعنينا أن تكون قوية، ولا نعدّها عدوا لنا»، مستدركا: «نخاف على الإخوة الفتحاويين من أن تجرهم الخلافات الداخلية التي نتجت عما ارتكبه أبو مازن ودحلان حين انقلبا على ياسر عرفات، إلى التأثير على مكانة حركتهم بين أبنائها وإضعافها، وهذا يؤثر أيضا على النظام السياسي الفلسطيني الهش». وأضاف الأشقر لـ«الأخبار»: «اتفقنا خلال المباحثات على خمسة ملفات هي المنظمة والحكومة والانتخابات والمصالحة المجتمعية والأمن، والسير في هذا الاتجاه يضمن ألا تنهار السلطة والنظام الهش القائم حاليا، لكن مضي عباس بتفرده في القرار سيقود إلى حالة يمكن التغول عليها، وفرض وصايات خارجية على من يرأسها».

■ للاطلاع على الوثائق أنقر هنا





«أزمة الرواتب مفتعلة»

قال عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» وعضو وفد المصالحة فيها، خليل الحية، إن أزمة رواتب موظفي الحكومة المقالة السابقة «إما مفتعلة وإما أنها تؤسس لمرحلة صعبة»، مشدداً على أن الحلول ممكنة لكنها تحتاج إلى جرأة وإرادة. وتابع، خلال مؤتمر صحافي أمس، قائلاً إن «حكومة التوافق الوطني أخطأت ولم تحسن التصرف تجاه موظفيها وشعبها، وهي تتنكر لاتفاقات المصالحة، ولا سيما اتفاق الشاطئ الذي وقع في نيسان الماضي». وطالب الحية، الرئيس محمود عباس، بإعطاء الأوامر للحكومة لصرف رواتب الموظفين في غزة، «وألا يعلق غضبه على احتجاج الموظفين، فالجميع تحت ولايتك وولاية الحمدالله».
المتحدث الرسمي باسم حكومة الوفاق، إيهاب بسيسو، قال بدوره، إن مهمة حكومته الأساسية هي إنهاء آثار الانقسام وتبعاته على الفلسطينيين. ورد بسيسو في تصريح صحافي على كلام الحية، بأنه يرفض اتهامهم بالتمييز بين الموظفين، قائلاً: «سيكون ملف إغلاق البنوك على جدول أعمال الحكومة اليوم (الثلاثاء)، ونجدد نفي تهديد الحمدالله تقديم استقالته».
(الأخبار)