عمّان | لم تخلُ الحدود الأردنية مع سوريا، منذ سنوات، من عمليات التهريب التي تكاد تكون شبه أسبوعية، إلّا أنّ اشتباكاً كبيراً وقع أخيراً بين قوات حرس الحدود والمهرّبين، وأدّى إلى مقتل اثنَين من العسكريّين الأردنيّين، أعاد تسليط الضوء على هذه القضية، ولا سيما مع تغيير قواعد الاشتباك على الحدود على نحوْ بات يسمح بإيقاع قتلى. وهو تحوّل يشي بتحوُّل معلوماتي ما لدى الاستخبارات العسكرية، فيما لا تبدو التطوّرات الأخيرة معزولة من الرسائل السياسية، في ظلّ تَجدّد الاتهامات لدمشق، وتجاهُل الوُجهات النهائية للمواد المخدّرة، وعلى رأسها السعودية
أحبط الجيش الأردني، أخيراً، سلسلة محاولات تسلّل وتهريب مخدّرات بالجملة، بدءاً من منتصف الشهر الماضي، حيث قضى النقيب محمد الخضيرات، وفي وقت لاحق الوكيل محمد المشاقبة، إضافة إلى وقوع جرحى من الجيش الأردني، فيما بلغت كمّية المضبوطات نحو 5 ملايين حبّة كبتاغون و6123 كفّ حشيش. وخلال ساعات من تلك العملية، أحبطت المنطقة العسكرية الشرقية، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، فجر اليوم التالي، محاولة مجموعة اجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة، وتخلّلت ذلك اشتباكات أدّت إلى مقتل أحد أفراد المجموعة وفرار الآخرين، بحسب بيان القوات المسلحة، التي أوضحت أنّ هؤلاء يرتبطون بأولئك الذين ضُبطوا في العملية السابقة. وفي ظهر اليوم ذاته، أعلن الجيش إحباط محاولة تسلّل وتهريب من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية، ما أسفر عن فرار المُهرِّبين إلى داخل العمق السوري، والعثور على كمّيات كبيرة من المواد المخدِّرة. ويُثير هذا التواتر التساؤلات عن إصرار المهرّبين على إتمام عمليّاتهم، رغم استنفار الجيش، وتواجده الكثيف على الحدود، وتمشيطه المتواصل للمنطقة البالغ طولها 380كم، خصوصاً بعد توجيه رئيس هيئة الأركان المشتركة، اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، بتغيير قواعد الاشتباك المعمول بها، والتي كانت نادراً ما تُوقع قتلى في صفوف المهرِّبين، أو تؤدّي إلى إلقاء القبض على بعضهم.
وأعادت هذه التطوّرات فتْح العيون على ما يحدث على الحدود الشمالية والشرقية للمملكة، واستدعت دعوات إلى ردّ قوي، خصوصاً أنّ للجيش مكانته لدى الأردنيّين، بوصْفه «صمّام الأمان» الذي لا يجوز إخضاعه للحسابات السياسية. وعلى خلفية تلك الدعوات، زار الحنيطي «كتيبة الأمير طلال»، إحدى وحدات المنطقة العسكرية الشرقية، بعد حادثة الخضيرات والمشاقبة بأقلّ من أسبوعين، حيث استمع إلى إيجاز حول مجريات العمليات الجارية على عدّة قواطع، والتي أدّت إلى مقتل 27 مُهرِّباً وإصابة آخرين. ولم يكن إيقاع هذه الخسائر ممكناً من قَبل، في ما يؤشّر إلى أن تغيير قواعد الاشتباك قد يكون مرتبطاً بتوافُر معلومات أكثر دقّة لدى الاستخبارات العسكرية، وربّما يكون مردّه رسائل يُراد لها أن تصل إلى أطراف بعينها في الإقليم، أو إضفاء صبغة معيّنة على عمليات التهريب، والتي بدا أنّ ثمّة حرصاً على إظهارها منظّمة وجماعية، فضلاً عن إرفاقها بذكْر الطائرات المسيّرة، والتي كان الملك عبد الله قد تناولها بنفسه منذ أشهر، عندما أعلن إسقاط طائرة مسيَّرة إيرانية على الحدود.
كذلك، تُظهر الأرقام التي نشرها الجيش قفزة كبيرة في عمليات التهريب؛ فبينما جرى ضبط 9522 كفّ حشيش عام 2020، تضاعَفت المضبوطات لتصل في عام 2021 إلى 17878 كفاً، ولتبلغ 6643 كفّاً منذ بداية العام الحالي فقط. كما ضُبطت في 2021 أكثر من مليون و400 ألف من حبوب الكبتاغون، وفي 2021، 15 مليون و500 ألف حبة، في حين بلغت كمّية هذه الحبوب المضبوطة منذ بداية شهر كانون الثاني فقط، نحو 5.5 مليون. أمّا الأسلحة، فقد ارتفعت من 24 قطعة سلاح خلال عام 2020، إلى 143 قطعة في العام الماضي، والذخائر من نحو 340 إلى 3236. وتدلّل هذه القفزة على وجود سوق نشط يستهلك المخدّرات ويطلبها، وهو ما لا يتمّ الحديث عنه بصراحة. لكن قناة «العربية» السعودية أوردت، أخيراً، أنّ الأردن طلب من سوريا إعادة السيطرة على حدودها، وأبلغها أنّ هدف المهرِّبين هو نقل المخدرات إلى دول الخليج. وكانت عمّان أكّدت لدمشق، خلال زيارة وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب إلى الأردن في أيلول الماضي، أنّها ستعمل على ضمان أمن أراضيها من أيّ تهديدات حدودية، وأنّ الجيش الأردني يواجه المُهرّبين في ظلّ غياب نظيره السوري.
على المستوى الإعلامي المحلّي، انتقد بعض الكتاب والصحافيين دمشق لـ«التقاعس» عن دورها في حماية الحدود، فيما ذهب البعض إلى ربْط عمليات التهريب بالفرقة الرابعة و«حزب الله». وفي هذا الإطار، ودعا المحلّل والخبير العسكري، اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار، في حديث إذاعي، سوريا، إلى تحمُّل مسؤولياتها ووقف تهريب المخدرات إلى الأردن، فيما يتمّ، على نحو غريب، تجاهُل وُجهة تلك المخدّرات، وعلى الأخصّ السعودية التي تتشارك مع الأردن بحدود شرقية جنوبية ضخمة. وعلى المنوال نفسه، كان أحد كتّاب جريدة «الرأي» المحلّية قال في مقال له بعنوان «العلاقة مع سوريا»، في تموز 2021: «هل انتهت المخاطر؟ كلّا لم تنته، فالتهديد الأمني متواصل، ووجود إيران بالقرب من الحدود مقلق، وقصة الطائرات المسيّرة تهديد حقيقي، والجيش العربي يقوم بواجبه على أكمل وجه حتى داخل الأراضي السورية إن اقتضت الضرورة لحماية أمنه، وهو تدخّل مشروع».
وتُسلّط هذه الاتهامات الضوء على إشكالية الحدود بين الأردن وسوريا، في ظلّ احتمال تواجد عسكريّين أميركيّين في مواقع حدودية أردنية بحسب «اتفاقية التعاون الدفاعي» المُوقَّعة بداية عام 2021، فضلاً عن تواجدهم الأكيد في 3 قواعد عسكرية جوّية في المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية (قاعدة موفق السلطي الجوية، قاعدة الأمير حسن الجوية، قاعدة الأمير فيصل الجوية). كما لا يمكن إغفال الاستثمار الأميركي في الحدود عبر «وكالة الدفاع والحدّ من التهديد» التابعة للبنتاغون، والتي خصّصت لمشروع أمن الحدود الأردنية نحو 300 مليون دولار، بموجب عقْد وقّعته عمّان مع شركة «Raytheon»، وأنهت الأخيرة بموجبه المشروع الذي يغطّي 115 ميلاً (كامل الحدود مع العراق)، و160 ميلاً من الحدود مع سوريا. وضمن البرنامج نفسه، تمّ بناء منظومة مراقبة متطوّرة ومتكاملة، قادرة على تحديد التهديدات، وكشْف المواد غير المشروعة مثل المخدّرات، ومنْع مرور الأسلحة، وهو ما يرسم علامات استفهام حول تصاعُد عمليات التهريب والتسلّل، على رغم كلّ تلك الرقابة.