إخراج تميم دفتر شيكاته بالأرقام العالية في واشنطن يشير إلى انقلاب في الأدوار بين الدوحة والرياض
وفي مقابل السياق الذي وضع فيه حمد بن جاسم التصنيف الأميركي لقطر، معتبراً إيّاه «تأكيداً بأن سياسة بلدي تسير بثبات واضح في دعم الحق دون مجاملة، وفي نهج ثابت أضحى حقيقة راسخة لا تتبدّل»، قدّمه الخصوم الخليجيون كدليل «على أن الدوحة تُسيَّر عبر الروبورت الأميركي لتنفيذ برامج تخريبية في المنطقة العربية»، وأن «بايدن الخرفان يظنّ أنه يسحب بساط زعامة الأمّة من السعودية ويعطيها لقطر». فبايدن لم يمنح السعوديين والإماراتيين شرف الدعوة إلى البيت الأبيض، باعتبارهم من زُمرة غريمه دونالد ترامب الذي سينافسه على الأرجح مرّة ثانية على الرئاسة عام 2024. وهو يقاطع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مقاطعة تامّة، فيما لم ينل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، سوى مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع، لويد أوستن، على رغم فداحة حدث قصف دبي وأبو ظبي بالصواريخ الباليستية والمسيّرات، ما يؤشّر إلى أن سفيره، يوسف العتيبة، الذي كان ذا نفوذ هائل في أميركا، وهندس التحالف بين ترامب وابن سلمان وابن زايد وبنيامين نتنياهو، صار عاجزاً تماماً عن فعل أيّ شيء.
بالأمس، ظهر أيضاً بعد طول مداراة، أن كلّ انفتاح قطري على بلد أو تنظيم، مهما كانت درجة عدائه للولايات المتحدة وإسرائيل، إنّما يصب في مصلحة الأخيرتَين تماماً، بدءاً من «التعاطف» الظاهري مع تنظيم «القاعدة» عند غزو أفغانستان عام 2001، وصولاً إلى إقامة مكتب لحركة «طالبان» في الدوحة، والذي ظهرت ثمراته في الانسحاب الأميركي من أفغانستان العام الماضي، وبين هذا وذاك الانفتاح على «حزب الله» في عام 2006، ثمّ طهران التي تقوم الدوحة أيضاً بدور الوسيط بينها وبين واشنطن، واستضافة حركة «حماس» التي تقوم الدولة الخليجية كذلك بإدارة مفاوضات غير مباشرة بينها وبين تل أبيب، ولا سيما في حالات الحرب. وحتى المساعدات التي تقدّمها قطر للفلسطينيين لا تخرج عن هذا السقف، بدليل أنه لم يحصل أن قدّمت الدوحة أبداً دعماً لفِعْل المقاومة نفسه. ولم تُخفِ أميركا حقيقة أن التصنيف الذي منحته للدوحة يأتي مكافأة لها على خدماتها خلال الانسحاب من أفغانستان، وجهودها في التوسّط بين إسرائيل و«حماس». ولعلّ أكثر ما يشير إلى «الأمانة» القطرية في خدمة المصالح الأميركية، هو وصْف وزير الدفاع الأميركي، الأمير، بأنه شخص «لا غنى عنه».
وعليه، ليس غريباً أن تكون سياسة قطر مع إسرائيل، مختلفة عن سياسة كلّ من الإمارات والسعودية تجاه الدولة العبرية؛ فالأولى متحرِّرة من السعي لكسْب التأييد الأميركي عبر الممرّ الإسرائيلي، ومُعفاة في الوقت نفسه من حرج إدخال الإسرائيليين إلى الخليج كما تفعل أبو ظبي بصورة علنية وقحة، والرياض خلف الكواليس. وتُخبر الخطوات الانفتاحية على الدوحة التي قامت بها الرياض وأبو ظبي بعد فشل حصارهما المشترك مع مصر والبحرين لقطر، بأن الأخيرة قد تصير هي نفسها أحد الممرّات الرئيسة لتحسين العلاقات مع واشنطن، بعدما دفعت البرودة الأميركية ابن سلمان إلى إظهار تمرّده على الأميركيين، خاصة في ما يتعلّق برفْضه طلباتهم لخْفض أسعار النفط، بالاشتراك مع روسيا التي يسعى الأميركيون لمحاصرتها في أوكرانيا. فضلاً عن ما تَقدّم، ثمّة تنافس بدأ يظهر إلى العلن بين معسكرَين: أحدهما خليجي - إسرائيلي؛ والثاني خليجي - أميركي، ذو علاقة بتنافسَين موازيَين بين اليمين الإسرائيلي والأميركيين من جهة، وبين قطر وكلّ من الإمارات والسعودية من جهة أخرى، ويقوم على خلاف حول طريقة مقاربة الملفّات الكبرى، وأهمّها الملف النووي الإيراني. أمّا أكثر ما خدم قطر في خضمّ ذلك كلّه، فهو أنها كانت في السنوات العشرين الماضية على الدوام، أقرب من كلّ من الإمارات والسعودية إلى أميركا المؤسّسة. وإدارة بايدن متماهية مع تلك المؤسسة التي نجحت في منْع إدارة ترامب من الذهاب إلى النهاية في دعم السعودية والإمارات ضدّ الدوحة، الأمر الذي كان سينتهي بكارثة على المصالح الأميركية لو أن ابن سلمان أتيح له الإطاحة بالنظام القطري عسكرياً عام 2017.