تونس | حسم الحوار الوطني التونسي الجدل في مسار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد أن اختارت غالبية الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي أن يكون دور «البرلمانية» قبل «الرئاسيات». جاء هذا نتيجة جهد الحوار الذي ترعاه أربع منظمات وطنية هي الاتحاد العام التونسي للشغل، والعمادة الوطنية للمحامين، والاتحاد الوطني للصناعة والتجارة، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان. الترتيب الذي اختارته الأحزاب أثار حرباً بين أنصارها في وسائل الإعلام وعلى الشبكات الاجتماعية، إذ اصطفت أحزاب آفاق تونس (ليبرالي) والوطنيين الديموقراطيين الموحد (يسار) والمسار الديموقراطي الاجتماعي (وسط اليسار) وراء موقف حركة «النهضة» وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» وبعض الأحزاب الصغرى، وكلها مع بدء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية.
هذا الموقف رجح الكفة لمصلحة الخيار الذي يخدم «النهضة» ضد موقف أحزاب حركة نداء تونس والعمال والجمهوري والتكتل من أجل العمل والحريات التي سعت إلى أن تكون «الرئاسية» هي الأولى، لكن موقف نظيرتها هو الذي جرى تثبيته.
ويتوقع أن يكون لتسبيق انتخابات البرلمان انعكاس كبير على النتائج، فالأحزاب التي دفعت نحو هذا الخيار لا تملك وفق مراقبين زعامات سياسية قادرة على المضي في السباق الرئاسي نحو قصر قرطاج. ومهما كان الجدل على هذا الاختيار فقد تنفس الشارع التونسي الصعداء، إذ لم تعد الانتخابات شأناً مبهماً، وخاصة أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قدمت مقترحاً في تنظيم الانتخابات إلى المجلس التأسيسي، على أن يصار إلى حسمه هذا الأسبوع.


تحالف «النهضة» والدساترة قد ينتج منه ترشيح الباجي قائد السيسي
وفق مقترح الهيئة، فإن الانتخابات البرلمانية ستكون في تاريخ ٢٦ تشرين الأول ثم الرئاسية: (الدورة الأولى ٢٣ تشرين الثاني)، و(الثانية ٢٨ كانون الأول)، وإن جرت الانتخابات في مواعيدها فإن تونس تغلق الباب على المرحلة الانتقالية التي تكون قد امتدت أربع سنوات تقريباً.
وتوقع أعضاء في المجلس التأسيسي لـ«الأخبار» أن يقر المجلس هذا المقترح «الذي يحظى بقبول معظم الأحزاب السياسية التي تحرص على إنهاء المرحلة الانتقالية في أقرب وقت، لأن الحالة الاقتصادية والأمنية للبلاد لم تعد تتحمل سلطة موقتة بكل ما يعنيه ذلك من ارتباك في القرار».
في سياق متصل، حسمت الأحزاب الكبرى ترشيح قياديين للانتخابات الرئاسية، فقد أقر المجلس الوطني لحزب نداء تونس الذي يتصدر كل استطلاعات الرأي ترشيح زعيمه الباجي قائد السبسي، كذلك أعلن الحزب الجمهوري ترشيح زعيمه الذي كان أقوى معارضي نظام بن علي، نجيب الشابي. كذلك أعلنت الجبهة الشعبية (ائتلاف اليسار) ترشيح حمة الهمامي إلى الاستحقاق الرئاسي، فيما لم يستبعد «المسار الديموقراطي الاجتماعي» ترشيح امرأة، وقد أشارت مصادر إلى أنه يتوقع أن تكون المخرجة السينمائية سلمى بكار، وهي أيضاً عضو في المجلس التأسيسي.
وكان مجلس شورى «النهضة» قد دعا المجتمع إلى ترشيح شخصية وفاقية بين كل الأحزاب أسوة بقرارات الحوار الوطني سابقاً في اختيار رئيس للحكومة، معللاً في بيانه بالقول: «المرحلة التي تعيشها تونس لا تتحمل التجاذبات، وتتطلب تضافر الجهود لإنقاذ البلاد تحت راية الوفاق الوطني الذي أنقذها».
موقف «النهضة» صنّفه بعض متابعي الشأن السياسي على أنه مقدمة لإعلان رسمي عن تحالف بين الإسلاميين: النهضة، والدساترة من أنصار النظام السابق، والمقربين منهم من اليسار المعتدل، والنقابيين كحركة نداء تونس. وتوقع المتابعون أن تكون نتيجة هذا التحالف ترشيح قائد السبسي عن الأحزاب السابقة، إضافة إلى الأحزاب الدستورية الأخرى مثل المبادرة الوطنية الدستورية والحركة الدستورية، «على أن يجري تقاسم السلطة بعد الانتخابات بين الإسلاميين والدساترة».
هذا الخيار كما نقله إلى «الأخبار» دبلوماسيون تونسيون عملوا سابقاً في أوروبا وأميركا ليس خياراً تونسياً فقط، «بل تقف وراءه إرادة دولية تسعى إلى إنجاح النموذج التونسي الذي بشر بالربيع العربي إلى جانب دمج الإسلاميين في الحكم، وهي المهمة التي تراهن بعض دوائر القرار في أوروبا والولايات المتحدة على قائد السبسي ليكون الضامن لتحقيقها».