لكن تكلفة القبر في المخيم ليست أقل سوءاً. حفّار القبور حمزة حبيب يشرح لـ«الأخبار» عملية الدفن «المشترك»؛ إذ تزاح العظام وتوضع في أكياس بجانب الجثة الجديدة، و«رغم مجانية القبر فإن تكاليف الحفر ومستلزمات القبر قد تصل إلى 8 ملايين ليرة لبنانية وفي بعض الأحيان إلى 20 مليوناً في حال قرر أهل الفقيد وضع بلاطة كاملة للقبر». وقد رفعت اللجان الشعبية الصوت عالياً مطالبة بأرض جديدة قريبة من المخيم.
في عملية الدفن «المشترك» تزاح العظام وتوضع في أكياس بجانب الجثة الجديدة
المشكلة لا تنحصر في مخيم برج البراجنة، إذ تكدّست مدافن اللاجئين في لبنان تماماً كما المخيّمات، وأصبح إيجاد مدفن معاناة تزاد إلى ألم فقدان الأحبة. ففي مخيم شاتيلا، تمدّدت قبور الموتى على الرصيف إلى جانب مقبرة الشهداء التي يبلغ عمرها ما يقارب الـ50 عاماً. لا مكان فيها لدفن «المدنيين»، فقط جزء صغير مخصّص للمناضلين وقادة الفصائل وذوي المكانة الاجتماعية في المخيّم. أمّا اللاجئ «العادي» فلا يمكن سوى فتح قبر قديم لأحد أقربائه، إذ بلغ عدد الموتى في القبر الواحد الـ6، أو التوجّه نحو مقبرة «المقاصد» في الغبيري مقابل مبلغ 6 آلاف دولار للقبر بحسب عضو اللجنة الشعبية في المخيم ناجي دوالي. تبقى أيضاً مقبرة سبلين هي الحل الأخير بعد أن استنزفت جميع الأماكن أيضاً في مقبرة الداخلية في المخيّم إلى جانب مسجد شاتيلا، حيث تم دفن بعض الموتى في منزل قرب المقبرة لضيق المساحة. ولا تقف المشكلة عند شحّ القبور بل أيضاً، بحسب دوالي، تعاني مقبرة الشهداء من انعدام المياه رغم وجود عائلة بكاملها تسكن في داخلها وتتولى المهمات اللوجيستية بالإضافة إلى تهديم الحمامات وعدم بناء بديل منها.
المقابر، تلك البقعة التي كانت وستظل لها رهبة في كل قلب، مع مشهد القبور المتراصّة واحداً تلو الآخر، أمّا في المخيم، فلا تخيف اللاجئ فقط رهبة الموت، بل يطارده شبح تأمين القبر قبل الممات ليُحشر في مساحة كان يعلم أنها ضيقة لكن ليس إلى هذا الحد!