بغداد | بعدما سقطت مدينة الموصل بأيدي مسلحي تنظيم «داعش»، ومن ثم تلاها سقوط مدن في محافظات أخرى مثل مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، والحويجة في محافظة كركوك، بدأ أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي، المنحل والمحظور دستورياً، برص صفوفهم من جديد، لكي يحاولوا ثانيةً الاستيلاء على الحكم، الذي فقدوه في التاسع من نيسان 2003 على أيدي قوات الاحتلال الأميركي.
لكن محاولتهم هذه لم يُكتب لها النجاح لغاية الآن، بعدما عمدت القوات الأمنية العراقية الى شن حملة واسعة جداً لاعتقال القيادات البعثية في جميع المحافظات العراقية وزجها في السجون، حسب مصادر في السلطات العراقية.
المصادر نفسها تؤكد أن بعض أعضاء حزب البعث العراقي المنحل شكلوا خلايا نائمة في المحافظات العراقية لغرض القيام بعمليات عسكرية وتخريبية تستهدف إسقاط المدن بطرق مختلفة، سواء عن طريق مساندة مسلحي «داعش» أو من خلال إضعاف معنويات الشارع العراقي عبر بث الأخبار الكاذبة والدعايات المغرضة.
وينقسم العراقيون انقساماً كبيراً حول حزب البعث، فالمحافظات الغربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً معه وتساند عودته، بينما الحزب المذكور يواجه رفضاً قاطعاً من معظم المواطنين العراقيين في محافظات الوسط والجنوب، والأمر ذاته ينطبق على محافظات إقليم كردستان الثلاث، فضلاً عن محافظة كركوك. والسبب الذي يدعو المحافظات الغربية إلى مساندته، هو أن أغلب أبناء تلك المحافظات كانوا يشغلون مراكز متقدمة في الأجهزة الأمنية العراقية المختلفة في زمن النظام السابق. وبعد الاحتلال، تم إبعاد هؤلاء عن مناصبهم ومميزاتهم، ما جعلهم يتحينون الفرصة لمباركة أي محاولة تعيد حزب البعث ثانيةً إلى حكم العراق، وقد اتضح هذا الأمر عندما عمدوا الى مساندة تنظيم «داعش»، بعد أحداث الموصل وتشكيل جبهة موحدة معه تهدف إلى إسقاط العملية السياسية في العراق. أما الأسباب التي تدعو أبناء محافظات الوسط والجنوب وإقليم كردستان وكركوك إلى رفض عودة حزب البعث فهي معروفة للجميع، كون أبناء هذه المحافظات عانوا كثيراً من ظلم الحزب، وبالتالي هم لا يريدون إعادته ثانية إلى واجهة الحكم في العراق.

موقف البعثيين القدامى

إن بعض البعثيين القدامى، الذين لا يزالون متمسكين بنهج حزب البعث، وهم ناقمون على ممارسات نظام صدام حسين، رفضوا رفضاً قاطعاً مساهمة البعثيين أو الذين يُحسبون عليهم، في مساندة الجهات الخارجية مثل «داعش» لقتل العراقيين والمساهمة بتقسيم العراق، أو تحويله إلى أقاليم طائفية.
وذكر أحد أعضاء البعث القدامى، الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن المعروف عن نهج وإيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي، أنه يدعو إلى وحدة البلدان العربية، وهذا النهج وإن تمت مخالفته بالفعل من قبل القيادة السابقة للحزب المتمثلة بصدام حسين، بالممارسة بعد احتلالها للكويت عام1990، إلا أن أعضاء حزب البعث القدامى الذين تم تهميشهم وإقصاؤهم بعد الاحتلال، ورغم كل الظلم والجور الذي وقع عليهم، فهم لا يزالون يرفضون خيانة مبادئ الحزب التي تدعو إلى وحدة العراق، وتعتبر أن أي تقسيم للعراق الموحد تحت أي ظرف أو عنوان هو أمر مرفوض وخط أحمر.
واعتبر أن «حزب البعث، اليوم، تمكن من استعادة نفسه في الساحة السياسية العراقية، من خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث دخل الكثير من أبناء أعضاء حزب البعث إلى قبة البرلمان المقبل، وهؤلاء يسيرون على نهج آبائهم، وإن كانوا قد انتموا إلى أحزاب مختلفة»، مشيراً إلى أن حزب البعث أصبح محظوراً دستورياً، ولا يمكن أن يعود ثانية إلى العمل السياسي باسمه إلا بشرطين، إما تعديل الدستور الحالي، أو إسقاط العملية السياسية الراهنة. واستدرك بالقول: «إن هذين الشرطين صعب تحقيقهما في الوقت الراهن»، داعياً جميع العراقيين إلى الحفاظ على وحدة البلد مهما كانت التحديات.
من جانب آخر، تطرّق أحد المفكرين العراقيين إلى خطر محاولات حزب البعث للعودة إلى السلطة، فور إعلان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة... عندما أكد أن حصول زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي على أكثر من220 ألف صوت، يدلّ على أن حزب البعث في بغداد لا يزال في قمة تماسكه. مشيراً إلى أن علاوي كسب أصوات البعثيين من المكونين «السني والشيعي».
ويرى آخرون من المواطنين العراقيين العاديين، أن «حزب البعث لا يمكن إنهاؤه بإجراءات وقوانين، لأنه يمثل فكراً، والفكر لا يمكن اجتثاثه بالقوة، وبالتالي يمكن أن يستعيد وضعه في أي فرصة تسنح له»، مذكرين بأن «حزب البعث قام باجتثاث حزب الدعوة الإسلامية وأعدم كل طواقمه داخل العراق وانهزم الباقون في المنافي، لكن رغم كل ذلك، عاد حزب الدعوة وتسلّم السلطة في العراق، وها هو يمسك بالسلطة منذ أكثر من تسع سنوات عبر رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، وخلفه رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي».