آل الشيخ وباقي المحيطين بابن سلمان لم تردعهم الضجة التي أثارها اغتيال خاشقجي
لكن يتبيّن أن «الفلوس» التي لها تأثير معروف في مصر وبلدان فقيرة أخرى، صارت تؤثّر في بلدان غنية أيضاً، ومنها الولايات المتحدة التي يبدو أن آل الشيخ وباقي المحيطين بوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، يمكنهم أن يلعبوا اللعبة نفسها فيها، ويظلّوا «في السليم»، من دون أن تردعهم الضجّة التي أثارتها حادثة اغتيال جمال خاشقجي التي كادت تطيح بـ«سيّدهم»، إذ جرى الكشف أخيراً عن أن آل الشيخ يرسل جواسيسه للتجسّس على المعارضين ومحاولة ابتزازهم واستدراجهم، عبر حسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي. وتَكشّفت خيوط هذه «المؤامرة» بعد أن اتّهم مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، رسمياً، المواطن السعودي إبراهيم الحُصين (42 عاماً)، بتهديد معارضين سعوديين مقيمين في الولايات المتحدة، بحسب دعوى قضائية في محكمة في نيويورك تمّ نشرها الثلاثاء الماضي، لكنّ المكتب لم يأتِ على سيرة آل الشيخ، على رغم ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» من أن الشكوى نفسها تشير إلى أن الحصين كان على اتّصال منتظم معه. واستخدم الحصين حسابات وهمية بينها حساب باسم «@Samar16490» على «إنستغرام»، لتوجيه تهديدات إلى معارضين سعوديين مقيمين في الولايات المتحدة، أغلبهم من النساء. كما عُثر في أحد الهواتف المحمولة التابعة له، وهو الموظّف في الديوان الملكي السعودي والمبتعَث لدراسة الدكتوراه في السياسة العامة، على العديد من الصور والتغريدات لخاشقجي، والتي يرجع تاريخ حفظها على الجهاز إلى عام 2017، أي قبل نحو عام من مقتل الصحافي السعودي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
قضية التجسّس تلك ليست الأولى من نوعها، لكنها تشير إلى استمرار المحيطين بابن سلمان الذين يُعتبر آل الشيخ أحد أبرزهم، في ممارسة أنشطتهم في الولايات المتحدة التي كانت تعهّدت بمحاسبة السعودية على انتهاكات حقوق الإنسان، فإذا بالمعارضين السعوديين المقيمين على أراضيها مكشوفون ومعرَّضون للمطاردة من قِبَل هؤلاء. ففي أيلول 2020، وجّه الادّعاء العام في سان فرانسيسكو لائحة اتهامات إلى المواطن السعودي، أحمد أبو عمو، المتّهم في قضية التجسّس على «تويتر» على معارضين سعوديين لصالح مدير مكتب ابن سلمان، بدر العساكر. ومن بين تلك الاتّهامات، العمل بصفة عميل لدولة أجنبية من دون إخطار وزارة العدل الأميركية، وغسيل الأموال، والتلاعب بالأدلّة. واليوم، تشير أوراق الشكوى ضدّ الحُصين إلى أنه استخدم الحساب الوهمي لتهديد مواطنة سعودية تنتقد سياسات الحكومة، بالقتل، حين أبلغها أنها ستواجه مصير ندى القحطاني، وهي شابّة قتلها شقيقها بالرصاص قبل سنوات. كما بعث برسالة إلى امرأة سعودية أخرى في عام 2020، وصفها فيها بـ«العاهرة». وكذلك، بعث برسائل تهديد خاصة باللغتَين الإنكليزية والعربية لإيصال تحذيرات إلى منتقدي الحكومة، قائلاً لكلّ منهم: «إذا لم تربّك عائلتك جيداً، فسوف نؤدبك، وسوف يمسحك ابن سلمان من على وجه الأرض، وسترى».
تدلّ تلك التطوّرات على صعوبة إقلاع ابن سلمان عن إدمانه على التآمر الذي يدفع به إلى مطاردة آخر معارِض أو معارِضة إلى أقاصي الأرض مهما كان تأثيره أو تأثيرها محدوداً، وهو ما ينمّ عن الخوف الذي يسكنه وشعوره الدائم بالتهديد الذي يواجه نظامه، حتى وهو يجبر زعماء دول، على رأسهم الأميركي جو بايدن، الذي يستعدّ لزيارته في منتصف الشهر المقبل، على مجاراته والتغاضي عن كلّ ما يفعله.