سعت دولة الاحتلال، خلال الأيام الماضية، إلى تحقيق إنجاز أمني يُمكنها تسويقه
وفتحت المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية تحقيقاً في كيفية تمكُّن الشهيد من الهرب، على رغم الحصار الذي كان مفروضاً على مخيم شعفاط، حيث اعتُقد أنه يختبئ هناك، بينما كشفت «القناة الـ12» تفاصيل العملية الثانية، والتي بدأت بعد ملاحظة أحد المستوطنين الذي كان يقود سيارة إلى خارج «معاليه أدوميم»، شخصاً يتحرّك على قدمَيه في اتّجاه الحاجز، ليقوم بإبلاغ الحرّاس عنه. وعلى إثر ذلك، تأهَّب هؤلاء، لكنّ التميمي سارع إلى إطلاق النار من مسدّسه عليهم، وبدأ يقترب من الحاجز عبر الأشجار المجاورة، ليصل إلى مسافة ثلاثة أمتار منه، حيث أراد إصابة أحدهم، ليردّ الأخير بسرعة عليه، ما أدّى إلى سقوط عدي أرضاً، فيما حاول آخر إطلاق النار أيضاً، ولكن إحدى الرصاصات التي أطلقها التميمي أصابت مخزن سلاح أحد الحرّاس خلال الاشتباك، ما أدى إلى تعطيله. وسارع العدو، عقب الإعلان عن العملية، إلى بثّ مقطع مصوَّر لها، لاعتقاده أن ذلك قد يخفّف من حدّة الانتقادات المُوجَّهة إليه على خلفيّة فشله في العثور على التميمي، وقد يسهم أيضاً في إحباط الفلسطينيين وتثبيط عزائمهم، لكن وقْع المقطع المصوَّر كان معاكِساً تماماً، إذ تفاخَر الفلسطينيون بالشهيد وشجاعته وشراسته في القتال والاقتحام.
ومن دون قرار أو سابق إنذار، خرج الفلسطينيون إلى الشوارع في المدن والقرى والمخيّمات، عقب الإعلان عن استشهاد التميمي، لتعيش الضفة الغربية بأكملها ليلة من المواجهات التي بدأت في مخيم شعفاط خاصة، ومدينة القدس عامة، وامتدّت إلى أماكن أخرى. واحتشد آلاف الشبّان أمام منزل عديّ لدعم عائلته، فيما خرجت مسيرات حاشدة من جنين شمالاً إلى الخليل جنوباً، وتَوجّهت إلى نقاط التماس والحواجز العسكرية. كذلك، اندلعت اشتباكات في العيساوية، وسلوان، والنبي صالح، وحوسان، والرام، وجسر حلحول، وباب الزاوية في الخليل، وعند المدخل الشمالي لمدينة البيرة، ومدخل بلدة بيتا، وحوارة، وحاجز مخيم قلنديا، ومخيم الفوار، ومخيم العروب، ونعلين، والعيزرية، والمدخل الشمالي لمدينة بيت لحم. وعلى وقْع هذا الغليان، نفّذ مقاومون عمليات إطلاق نار على الحواجز العسكرية، كان أبرزها إمطار حاجز الجلمة العسكري في جنين بالرصاص والعبوات الناسفة المحلّية الصنع. كما استهدف مقاومون حاجز مستوطنة «بيت إيل» شمال رام الله، وفتح آخرون النار على معسكر «عوفر» المُقام غرب رام الله.
ولم تغَب مجموعة «عرين الأسود» عن المشهد، إذ دعت الفلسطينيين إلى الخروج إلى أسطح المنازل والشوارع للتكبير بعد منتصف الليل - وهي الدعوة التي لاقت استجابة واسعة -، مُتعهّدة بالردّ خلال ساعات على استشهاد التميمي، لتُعلِن بعد ساعات فقط تنفيذ 3 عمليات ضدّ جنود الاحتلال، موضحةً أن مقاتليها استهدفوا قوّة راجلة في محيط نقطة «جرزيم» العسكرية وأمطروها بوابل كثيف من الرصاص، مُحقّقين فيها إصابات. كما كمنت مجموعة أخرى من مقاتليها في محيط حاجز «17» العسكري، لقوّة راجلة من الجنود، وأطلقت النار عليها، مُحقِّقةً أيضاً إصابات مؤكّدة فيها. وقرب بلدة دير شرف التي شهدت الأسبوع الماضي مقتل جندي إسرائيلي، استطاع مقاتلون من «العرين» استهداف مجموعة من الجنود، وأَوْقعوا فيهم إصابات. وبعد ذلك كلّه، حذّرت «الأسود» من أن ردّها لم ينتهِ، وأنها لم تَقُل كلمتها بعد.
وفي ختام ليلة حافلة بالاشتباكات، عمّ الإضراب الشامل مدن الضفة الغربية والقدس وبلداتهما، منذ ساعات صباح الخميس، حداداً على روح التميمي، بينما خرجت الجماهير في مدينة رام الله لتشييع الشهيد الفتى محمد نوري الذي قضى متأثّراً بجروح أصيب بها الشهر الماضي. كذلك، شهدت العديد من مناطق الضفة مواجهات مع قوات الاحتلال، في حين تداول الفلسطينيون وصيّة عديّ وآخر كلماته، التي قال فيها: «أنا المطارَد عدي التميمي من مخيم الشهداء شعفاط. عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر. أعلم أنني سأستشهد عاجلاً أم آجلاً، وأعلم أنني لم أُحرّر فلسطين بالعملية، ولكن نفّذْتها وأنا واضع هدفاً أمامي: أن تُحرّك العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي».