القاهرة | للمرّة الأولى منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، يُسجَّل تمرّد علَني من داخل القصر الجمهوري، وذلك على خلفية التعديلات المقترَحة على قانون تنظيم عمل هيئة قناة السويس، والتي تتيح تأسيس صندوق للهيئة يُدخلها في استثمارات وشراكات، من شأنها تحويل القناة إلى مشروع استثماري يُمكن السيطرة عليه عبر الشركات الأجنبية المتعدّدة الجنسيات. وعلى الرغم من أن مستشار الرئيس للموانئ، الرئيس الأسبق لهيئة قناة السويس، الفريق مهاب مميش، تولّى هذا المنصب بقرار من السيسي الذي كان زميله في المجلس العسكري الحاكم للبلاد عقب إطاحة نظام حسني مبارك، قبل أن يجري تكريمه بمنصب شرفي كمستشار للرئيس إثر تدهور حالته الصحية نتيجة إصابته بالسرطان، إلا أن انتقاداته للتعديلات الجديدة جاءت صادمة وعلَنية، وغير مسبوقة من قِبَل أيّ من العسكريين الذين عملوا مع السيسي وقام الأخير بتكريمهم.ورأى مميش، الذي كان قد نفّذ تعليمات الرئيس بحفر التفريعة الجديدة في عام واحد، على رغم قلّة جدوى المشروع اقتصادياً، أن التعديلات المقترَحة ستفتح الباب أمام الأجانب للدخول تحت شعار الاستثمار، معتبراً ذلك تهديداً حقيقياً للأمن القومي المصري، ولافتاً إلى أن هناك طرقاً أخرى يمكن اتّباعها لجذب مزيد من الاستثمارات. وفي تصريحاته المسجّلة التي نشرها موقع «بصراحة»، قبل أن تُحذف لاحقاً، نبّه مميش إلى أن التعديلات «تلعب في منطقة الخطر»، مشدّداً من موقع خبرته كقائد للقوات البحرية لمدة 5 سنوات ونصف سنة، و7 سنوات على رأس هيئة قناة السويس، على أهمية «عدم منح القناة للمستثمرين من أجل الأموال، لأن هذا المرفق ملك للمصريين»، موضحاً أن «الصندوق بآليته المقترَحة سيفتح الباب أمام جذب النقد الأجنبي، لكن الأجانب سيأخذون في المقابل الكثير، فيما يمكن توفير الأموال من الداخل كما حدث عند شقّ التفريعة الجديدة، حيث رُدّت الأموال إلى جميع المودعين».
لا يبدو أن مشروع «السويس» الجديد سيمرّ بسهولة، في ظلّ وجود تيّار من العسكريين رافض له


وفيما مُنع إعلام الدولة من إبراز تصريحات مميش، الذي أغلق هاتفه بعد وقت قصير من انتشارها، سُجّل حذف كلامه من مواقع صحافية عدّة، وانتشرت تصريحات للرئيس الحالي لقناة السويس، الفريق أسامة ربيع، دافع فيها بأن التعديلات المقترَحة تأتي في إطار سعي إدارة القناة للاستغلال الأمثل لأموالها من خلال بيع الأصول الثابتة والمنقولة وشرائها وتأجيرها، بما يحقّق أعلى انتفاع لها من الموارد المتاحة، فضلاً عن زيادة رؤوس أموالها المستثمَرة في الأوراق المالية. وكان السيسي قد أعلن أن الصندوق الخاص بقناة السويس يجري العمل به بالفعل منذ عامين وفيه مليارات الجنيهات، إلا أن هذا الرقم ليس له إطار قانوني حتى اليوم، ما سيفتح الباب أمام محاسبة الهيئة على وجوه إنفاق أموالها خلال الفترة الماضية. وعلى أيّ حال، لا يبدو أن المشروع الجديد سيمرّ بسهولة، في ظلّ وجود تيّار من العسكريين رافض له، وهو ما استدعى على ما يبدو استعجال لقاء السيسي وزير دفاعه يوم أمس، فيما كان يفترض أن يُعقد اللقاء في وقت لاحق لاعتماد حركة بعض العسكريين الدورية. كذلك، وعلى رغم أن جميع التصريحات الرسمية الصادرة، سواء عن الحكومة ممثَّلة بوزير شؤون المجالس النيابية، أو عن الأغلبية البرلمانية التي شكّلتها المخابرات في الانتخابات الأخيرة، تبنّت الدفاع عن التعديلات، إلّا أن أصوات المعارضة لا تفتأ تتصاعد داخل مجلس النواب، باعتبار المشروع «خطراً داهماً يهدّد قناة السويس ويمسّ سيادتها». وعلى هذه الخلفية، بدأت الضغوط على بعض الشخصيات لتعديل مواقفها، وهو ما طال وزير الإعلام الأسبق، أسامة هيكل، الذي كتب تغريدة منتقداً الموقف الرسمي، قبل أن يتلقّى تهديداً عبر اتصال هاتفي دفعه إلى حذف تغريدته سريعاً.