الإزيديّون، كما يذكّرنا أسعد أبو خليل على الدّوام، هم خلافاً للادّعاء الشّائع لا يعبدون الشّيطان ولا يؤلّهونه، بل إنّ نظرتهم إلى ثنائيّة الله وإبليس لا تختلف كثيراً عن الأديان السّماوية. هم، مثلنا، يعتبرون أنّ الله رحيمٌ وكريم، بينما الشّيطان خبيثٌ وشرّير، غير أنّهم استنتجوا أنّ خطورة الشّيطان هي - تحديداً - ما يستوجب التضرّع اليه وتقديم الأضاحي، ردّاً لشرّه وأذاه، فيما الرّحمة من الله متوقعة.
في بدايات «العراق الجديد»، لم يخطر ببال أحد أن تتعرّض أقوامٌ قديمةٌ في العراق، كالإزيدية والصابئة والشبك، إلى الإقصاء والقتل والتهجير الذي حلّ بها في مواطنها. توهّمنا أنّ أقصى أشكال التّمييز في حقّ هذه الجماعات المسالمة ستكون على شاكلة شكوى النّائب الإزيدي الذي تذمّر - إثر انتخاب أوّل برلمان بعد الغزو الأميركي - من أنّ زملاءه المسلمين ينظرون إليه ويتضاحكون كلّما تعوّذ رئيس البرلمان، في افتتاح الجلسات.
على الرّغم من النّظرة السّائدة عن تسامح المجتمعات الأوروبية مقارنة بدولنا، الّا أنّ التاريخ يروي قصّة مختلفة: أوروبا، منذ تشكّل الدول الحديثة فيها، تعاني من «حساسيّة» تجاه الأقليّات والاختلاف، وهو ما يفسّر التّجانس الكبير في مجتمعاتها. هذه الحال لم تنتج من مسارٍ تاريخيّ «طبيعيّ»، بل من قرونٍ من الإبادة والدّمج القسري ومحو الثقافات والأديان واللغات المحلية، حتى ظهرت الأمّة الحديثة ودولتها المركزية (من يتذكر حضارة الـ«كاثار» اليوم، مثلاً؟).
من هنا، فإنّ الحركات الطائفية والإبادية التي تطمح إلى إلباس بلادنا ديناً واحداً، وسحنةً واحدة، ولباساً واحداً، تملك من المشتركات مع بذور الحداثة أكثر ممّا قد نتصوّر، خاصّة أولئك بيننا الذين يدعون باستمرار - مباشرة أو مواربة - إلى استنساخ التجربة الأوروبيّة.
بانتظار أن نهزم الشرّ الكامن فينا، وأن نبني مجتمعات محصّنة ضدّ الإبادة، لا يمكن إلّا أن نتذكّر أولئك العراقيّين الشّجعان، في سنجار والموصل وتلعفر، الذين ظلوا في أرضهم وتشبّثوا بها في وجه كلّ الأخطار والكراهية. في كتابه الممتع عن الأديان والمذاهب في العراق، يحدّثنا رشيد الخيّون عن مير بصري، اليهودي العراقي الذي رفض الهجرة إلى أميركا أو فلسطين المحتلّة، ولم يتحوّل إلى الإسلام ويُخفي هويّته كما فعل العديد من الشيوعيّين اليهود آنذاك، فردّ على تحذير أصدقائه له من المستقبل القاتم برباعيّة شعريّة منها:
إن كنت من موسى قبست عقيدتي
فأنا المقيم بظلّ دين محمّد
وسماحة الإسلام كانت موئلي
وبلاغة القرآن كانت موردي
سأبقى ذيّاك السّمؤال في الوفا أسعدت في بغداد، أم لم أسعدِ