الخرطوم | مع غياب أيّ أفق سياسي لحلّ الأزمة السودانية، وافتقاد قدرة طرفَيها، أي الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، على حسمها بعد أكثر من 100 يوم على انطلاق الحرب، يدفع السودان كدولة الثمن بشرياً ومادّياً، مع تسجيل المزيد من الخسائر الفادحة في أرواح المدنيين، والتدمير الممنهج للبنية التحتية، فيما يبدو أن الأسوأ لم يأتِ بعد. ولقي آلاف السودانيين حتفهم إلى الآن من جرّاء الحرب، بينما تحوّلت عشرات آلاف المنازل إلى ركام، ولم تسلم حتى معسكرات النازحين في إقليم دافور من المصير نفسه. كذلك، تعرّض عدد لا يُحصى من المؤسّسات والمنازل والأسواق والمستودعات، للسرقة والنهب والإحراق، فيما تصاعدت حوادث الاغتصاب والقتل على الهوية القبَلية. وأمام هذه الأوضاع، اضطرّ نحو 3.1 ملايين شخص للنزوح داخل البلاد وخارجها، وفق تقارير دولية.على أن المعاناة لا تقتصر على ما تَقدّم، بل تفيد تقارير صادرة عن الأمم المتحدة بأن قرابة ثلث سكّان السودان، أي نحو 15.8 مليوناً، بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وبحسب الباحث والمحلّل السياسي، عثمان نورين، فإن ما يفاقم المعاناة «عجز الطرفَين المتقاتلَين والأطراف المدنية الأخرى داخلياً، إلى جانب الأطراف الخارجية، عن إيقاف الحرب». ويحذّر نورين، في تصريح إلى «الأخبار»، من أن عدم توقّف الحرب «يهدّد بفشل الموسم الزراعي المطري الذي يعتمد عليه السواد الأعظم من سكّان السودان في إنتاج غذائهم، علاوة على خطر فيضانات موسم الأمطار المحتملة، ما ينذر بمجاعة وشيكة».
تفيد تقارير صادرة عن الأمم المتحدة بأن قرابة ثلث سكّان السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية


إزاء ذلك، تواجه المنظّمات الإنسانية الدولية، التي تعمل بأقصى طاقتها لتقديم المساعدة والحماية منذ الأيام الأولى للحرب، صعوبات حقيقية على الأرض لإيصال الإغاثة إلى مستحِقّيها؛ إذ أصبحت طواقم هذه المنظّمات هدفاً للأطراف المتقاتلة التي تسعى إلى الاستيلاء على المساعدات من أجل إطعام جنودها. كما أن طواقم تقديم المساعدات المنقذة للحياة للنازحين والمحاصَرين، لا يحظون بالحماية الكافية، وخصوصاً أن كلا الطرفين المتقاتلين يتّهمانهم بالعمل لمصلحة الآخر، وبالتالي يعيقان عملهم بشدّة، ويعطّلانه إلى حدّ كبير. وفي هذا السياق، يرى نورين أن «العمل على إيصال الاحتياجات الإنسانية إلى مستحِقّيها يحتاج إلى إعادة ضبط وإعادة هيكلة لجعله أكثر استجابة وفعالية وتماسكاً».
وبالعودة إلى التقارير الصادرة عن جهات مختلفة داخلية وخارجية، وبمراجعة الكثير من الملاحظات وشهادات الناجين، فإن الخلاصة التي يمكن الوصول إليها هي أن الكارثة وقعت بالفعل، وأن على جميع الأطراف العمل للخروج منها بأقلّ الخسائر الممكنة. ومع ذلك، لا يزال طرفا النزاع يحولان بأشكال مختلفة دون إنقاذ ضحايا الحرب في الخرطوم ودارفور (غرب السودان) خصوصاً، ليبقى الكثير من المدنيين تحت الحصار في العاصمة وغرب البلاد، في الوقت الذي فقدوا فيه مصادر دخلهم ومنازلهم، فوُضعوا في مواجهة الموت إمّا برصاص المتحاربين أو جوعاً.
من هنا، حذّرت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظّمات إنسانية عاملة في مجال الإغاثة من أن السودان «أصبح أحد أكبر السياقات الإنسانية الكارثية في العالم». وبحسب آخر الإحصاءات الصادرة عن المنظّمة الدولية، فإن هناك نحو 3.7 ملايين نازح، معظمهم في إقليم دارفور، فيما ثمّة 4 ملايين طفل وامرأة حامل ومرضع، على الأقلّ، يعانون سوء التغذية الحادّ. وبينما تسعى خطّة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2023، إلى حشد 1.7 مليار دولار لمساعدة 12.5 مليون شخص، فإنها لم تتلقّ حتى الآن سوى 13.5% من المبلغ المطلوب.