رام الله | بات المشهد في مخيمات شمال الضفة الغربية المحتلة بعد كلّ اقتحام لجيش العدو، متشابهاً، بفعل استخدام آلة القتل والتدمير نفسها، والتي سرعان ما تتكشّف تداعيات فعلها مع لحظات الانسحاب الأولى للقوات المقتحِمة. وعلى مدى أكثر من 15 ساعة، شنّت قوات الاحتلال عدواناً واسعاً على مدينة نابلس، تركّز في مخيم بلاطة، حيث اقتحمت عشرات المنازل، وفتّشتها وعاثت فيها خراباً، واعتقلت تسعة مواطنين، كما عمدت إلى تجريف الشوارع في المخيم وتدمير صرح «الشهيد». وعلى إثر ذلك، شهد مخيم بلاطة ومناطق أخرى في المدينة، مواجهات عنيفة واشتباكات مسلّحة، تخلّلها تفجير العشرات من العبوات الناسفة بآليات الاحتلال، فيما مَنع جيش العدو، الطواقم الطبية من الوصول إلى المخيم، على رغم استشهاد فتى وإصابة سبعة مواطنين آخرين بالرصاص، محتجزاً مركبات الإسعاف، وفارضاً طوقاً عسكرياً في المحيط.وبالتوازي مع ذلك، وفي سياق الجرائم الإسرائيلية المستمرّة في الضفة، استُشهد الشاب خضر علوان (46 عاماً) قرب رام الله، بينما أصيب آخران برصاص قوات الاحتلال عند مدخل قرية برقة، بعدما أَطلقت النار صوب مركبة كانت تقلّهما. وفي بلدة عزون، قرب قلقيلية، سُجّلت حملة اعتقالات واسعة طاولت 36 مواطناً، بعد اقتحام القوات الإسرائيلية منازل المواطنين وتدميرها إياها بشكل متعمّد، علماً أن حصيلة الاعتقالات الإجمالية ليوم الخميس (أمس)، ناهزت الـ90 مواطناً، بينهم امرأة من طوباس.
وفي هذا الوقت، لا تزال تسيطر على الضفة الغربية، وتحديداً القدس، حالة الترقّب، في انتظار ما ستؤول إليه صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة في غزة والاحتلال، والتي ستشهد إطلاق سراح مجموعة من الأسرى الأطفال والأسيرات. ويسود اعتقاد لدى الفلسطينيين بأن جيش الاحتلال سيصعّد من عدوانه على الضفة، عبر شنّ عمليات عسكرية طويلة يسفك فيها مزيداً من دماء الفلسطينيين، مع دخول الهدنة في القطاع حيز التنفيذ صباح اليوم (كما هو مقرّر)، وذلك من أجل التخفيف من وطأة رضوخه للمقاومة وإبرام صفقة التبادل، ولكي يعطي انطباعاً للرأي العام الإسرائيلي بأن آلة القتل لم تتوقّف، ولا سيما أن وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، أصدر أوامره للشرطة بمنع الاحتفاء بتحرير أيّ أسير، وخاصّة في القدس.
وتُعزّز هذا الاعتقادَ، شهيّةُ جيش الاحتلال المفتوحة على القتل، واعتماده الكبير على الطائرات، سواء المُسيّرة أو الحربية لتنفيذ عمليات اغتيال في كلّ مرّة يشنّ فيها عملية عسكرية في مخيمات شمال الضفة، وهو ما أسفر بالفعل عن ارتقاء عدد كبير من الشهداء منذ عملية «طوفان الأقصى»، بعدما باتت المُسيّرات سلاح إسرائيل المفضّل للقتل، وكذلك في استهداف الطواقم والمؤسسات الطبية، من مثل المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات، وتحديداً في مخيمات جنين، وطولكرم، ونور شمس، وبلاطة. وآخر تلك العمليات شهدها مخيم بلاطة قبل أيام، حين شنّت طائرة حربية مقاتلة غارة اغتالت فيها 5 مقاومين وسط المخيم، وسبقها قصف من مُسيّرة في مخيم جنين.
في خلال الساعات الماضية، أحرق مستوطنون مدرسة في تجمّع زنوتا في الخليل


أمّا مخيم طولكرم شمال الضفة، فتعرّض لاقتحام واسع، مساء الثلاثاء، استمرّ لأكثر من 10 ساعات، بعدد كبير من الآليات العسكرية بينها جرافتان، فيما لجأت قوات الاحتلال أيضاً إلى سلاح الطيران لمواجهة المقاومين في أزقّة المخيم، وقصفت طائرة مُسيّرة محيط عيادة طبية ميدانية أقيمت لتقديم الإسعافات والعلاج للمواطنين، ما أدّى إلى استشهاد 6 شبان، من بينهم ثلاثة مقاومين، بالإضافة إلى شهيدَين آخرين في مناطق متفرّقة في الضفة. وفي أعقاب القصف الذي تسبّب بأضرار في العيادة الطبية، اقتحمت قوات الاحتلال المكان واعتقلت مسعفين ومصابين يتلقّون العلاج، كما حاصرت مستشفى «الشهيد ثابت الحكومي»، ومستشفى «الإسراء التخصّصي» في مدينة طولكرم، معرقلةً عمل الطواقم الطبية، واستتبعت ذلك بملاحقة مركبات الإسعاف واحتجزت إحداها، واختطفت مصاباً كان على متنها، مانعةً إيّاها من الدخول إلى المخيم وانتشال الشهداء، الذين لم تتمكّن من انتشالهم سوى بعد انسحاب قوات الاحتلال من المخيم. وترافقت هذه التطورات مع تدمير واسع للطرق والبنى التحتية، بما يشمل شبكات المياه والكهرباء، فضلاً عن إغلاق مداخل طولكرم بالسواتر الترابية. وفي خلال اقتحام المخيم الذي أعلنته «منطقة عسكرية مغلقة»، حاصرت قوات الاحتلال جميع الطرق المؤدّية إليه، ونشرت القنّاصة فوق عدد من المباني المحيطة به، على وقع اشتباكات مسلّحة عنيفة خاضها المقاومون مع جنود العدو، تمكّنوا في خلالها من تفجير عدّة عبوات ناسفة، علماً أن هذا هو الاقتحام الرابع للمخيم منذ 7 أكتوبر.
وفي خلال الساعات الماضية، أحرق مستوطنون مدرسة في تجمّع زنوتا في الخليل، وهو التجمّع الذي أُجبر سكانه على الهجرة منه بسبب تكرار اعتداءات المستوطنين عليهم بعد السابع من تشرين الأول الماضي، حيث طاولت النيران ثلاثة صفوف من أصل سبعة في المدرسة المبنيّة جدرانها من الخشب والإسمنت والمسقوفة بالزينكو (صفيح)، علماً أن هذه المدرسة سبق أن هُدّمت من جانب الاحتلال 3 مرات بحجة البناء من دون ترخيص في المنطقة المصنّفة (ج). كما شقّ مستوطنون، أول من أمس، طريقاً بطول 1000 متر تقريباً يربط بؤرة استيطانية جديدة أقاموها في واد الحماط في قرية بيرين، بمستعمرة «بني حيفر» المقامة على أراضي المواطنين جنوب بلدة بني نعيم شرق الخليل. وبحسب «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» الفلسطينية، فإن الاعتداءات التي نفّذها مستوطنون، خلال تشرين الأول الماضي، بلغت «رقماً قياسياً وهو 390 اعتداءً في شهر واحد، ما تسبّب باستشهاد 9 فلسطينيين على أيدي مستوطنين». كما أفادت الهيئة بأن هجمات المستوطنين «أدّت إلى تهجير 9 تجمّعات فلسطينية بدوية تتكوّن من 100 عائلة تشمل 810 أفراد، من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى».