الخرطوم | وقّع قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، و«تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية» (تقدم) برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، على «إعلان أديس أبابا» الذي يتضمّن تفاهمات سياسية بغرض إنهاء الحرب المستمرة منذ 15 نيسان الماضي. وبناءً على ما أورده «الإعلان»، الذي جاء عقب لقاء جمع حميدتي وحمدوك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أبدت «الدعم السريع» استعدادها لوقف فوري وغير مشروط للحرب عبر تفاوض مباشر مع «القوات المسلحة»، وتعهدت بـ«فتح ممرات آمنة في المناطق التي تقع تحت سيطرتها لإيصال المساعدات الإنسانية وتوفير الضمانات اللازمة لتيسير عمل المنظمات الإنسانية وحماية العاملين في مجال الإغاثة»، بالإضافة إلى «تهيئة الأجواء» لعودة المواطنين إلى منازلهم في المناطق التي تأثرت بالحرب في الخرطوم، والجزيرة، ودارفور، وكردفان، فضلاً عن عودة أجهزة الشرطة لمزاولة عملها في توفير الأمن. من جهتها، قالت «القوى المدنية»، التي تشكلت بعد اندلاع الحرب وتضم عدداً من الأحزاب السياسية ومنظمات مدنية، في بيان أول من أمس، إن «قوات الدعم السريع تعهدت بإطلاق سراح 451 أسيراً كبادرة حسن نية». وأضافت «تقدم» أنها «ستطرح الإجراءات ذاتها على القوات المسلحة والجلوس مع قياداتها بهدف الوصول إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية بشكل دائم وملزم للطرفين برقابة وطنية وإقليمية ودولية». وبحسب ما ورد في الاتفاق، فإن «الإعلان السياسي يشكل أساساً لعملية سياسية تنهي الحرب وتؤسس للدولة السودانية. وإن القيادة المدنية للعملية السياسية تلتزم بمشاركة كل القوى السياسية، ما عدا حزب المؤتمر الوطني». كما اشترطت «القوى المدنية» ضرورة تمثيل «المدنيين» في لقاء جيبوتي المرتقب بين القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، ودقلو، والذي ترتّب تفاصيله منظمة «الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا» (إيغاد). ووفقاً لما ذكره وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، فإن بلاده بصفتها رئيسة «إيغاد» ستستضيف اجتماعاً حاسماً بين الطرفين مطلع الشهر الجاري، من دون تحديد تاريخ قاطع للّقاء.
ويرى مراقبون أن إعلان «أديس» أبابا السياسي ما هو إلا نسخة معدّلة من الاتفاق الإطاري الذي وقّع نهاية عام 2022 بين المكون العسكري (أي الجيش وقوات الدعم السريع) والقوى السياسية ممثلة في «ائتلاف الحرية والتغيير»، مع إضافة بعض البنود التي فرضتها ظروف الحرب. ويعتقد الخبير الاستراتيجي، أمين مجذوب إسماعيل، في حديث إلى «الأخبار»، أن «السرعة التي جرى بها التوقيع والاتفاق على إعلان أديس أبابا توحي بأن ما جرى تحالف بين قوى سياسية مدنية وبين قوات الدعم السريع، وهو ما سبق وحدث في الاتفاق الإطاري». ويضيف أنه «كان من الممكن أن تتم تفاهمات سياسية بين المجموعة المدنية وقوات الدعم السريع من دون التوقيع على اتفاق إلى حين جمع طرفَي الحرب على طاولة التفاوض»، معتبراً أن «القوات المسلحة، بالكيفية التي حدث بها اتفاق أديس أبابا، لن تقبل بما رود فيه»، متابعاً أن «القوى السياسية التي لم يشملها الاتفاق ستعرقل جهود الوصول إلى سلام ينهي الحرب».
يبدو أن الدول الإقليمية المتحالفة مع البرهان، وتحديداً مصر، ستعمل على حثّه على التفاوض والقبول بالجلوس مع حميدتي


وفيما لم يصدر حتى الآن عن قيادة الجيش أي تعقيب على الاتفاق، لا يستبعد مراقبون جلوس البرهان وحميدتي، بعيداً عن «القوى المدنية» التي يُنظر إليها على أنها الجناح السياسي لـ«الدعم السريع»، كوْنها لم تجرّم انتهاكات الأخيرة بشكل علني خلال أشهر الحرب. ومن غير المستبعد أيضاً، بحسب المراقبين، أن يصل الرجلان إلى اتفاق يمهد لإنهاء القتال، وخصوصاً أنه بدا لهؤلاء أن «قيادة الدعم السريع تسعى إلى اتفاق ينهي الحرب أكثر من الجيش، على الرغم من إعلان قائدها أن قواته تسيطر على مواقع كثيرة داخل العاصمة وخارجها، وأن على قائد الجيش الإقرار بالهزيمة». ويُعزى هذا الاستعجال، في جانب منه، إلى توسّع المزاج الشعبي الرافض لممارسات «الدعم»، وتشكّل مجموعات «مقاومة شعبية» في وجهها.
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب الصحافي، عادل عبد الرحيم، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تسليح المواطنين بات مهدداً رئيسيّاً ليس لوجود الدعم السريع فقط، بل لمصالح الدول الإقليمية الداعمة له، لأن تسليح الشعب يعني حماية ثروات البلاد من ذهب وموارد زراعية من النهب حيث كانت تهرّب إلى هذه الدول، وهذا يعني أن الأمر خرج عن سيطرة القوى المسلحة كافة، وعن سيطرة القوى السياسية وبات في يد الشعب». وإذ يعتبر عبد الرحيم أن «حميدتي خرج إلى العلن نتيجة ضغط المقاومة الشعبية في الداخل وتسلحها ضد قواته التي أصبحت العدو الأوحد للشعب»، فهو يعتقد أيضاً بأن «ما يحدث من اتفاقيات على عجل والموافقة على وقف الأعمال العدائية غير المشروط من قبل قوات الدعم السريع، يتمّ بإيعاز من الدول الداعمة له في المحيط الإقليمي والتي تدير الحرب».
في المقابل، يبدو أن الدول الإقليمية المتحالفة مع البرهان، وتحديداً مصر، ستعمل على حثّه على التفاوض والقبول بالجلوس مع قائد «الدعم السريع» للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، وذلك لخشيتها من أن تقتلع «المقاومة الشعبية» حليفها الاستراتيجي - البرهان، الذي بات محلّ اتهامات مباشرة من الشارع باعتباره المتسبب الرئيسيّ في عدم حسم المعركة لمصلحة «القوات المسلحة». غير أن مصادر مطّلعة أشارت إلى أن مستقبل قائد الجيش بات على المحك، ولا سيما أن الرتب الوسطى والصغرى في الجيش تتذمّر بشكل أكبر من قرارات قيادتها، وأنه في حال قرر البرهان الذهاب إلى التفاوض فإن ذلك يعني تمرد تلك القوات لا محالة على قيادتها وإزاحتها إياها.