الخرطوم | جدّدت الحكومة السودانية تمسّكها بـ«إعلان جدة للمبادئ الإنسانية»، الموقّع في شهر أيار الماضي، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، باعتباره إطاراً قانونياً وسياسياً ملزماً لمعالجة القضايا الإنسانية، ووقف إطلاق النار، والبدء بعملية السلام. وفي أول رد رسمي على إعلان «اتفاق أديس أبابا» بين «تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية» (تقدّم) و«الدعم السريع»، أكّد رئيس «مجلس السيادة»، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، رفضه التفاوض مع «من يحاربون الشعب السوداني ويغتصبون الحرائر». وقال برهان، أمام جنوده في حامية جبيت شرق السودان: «نمدّ أيدينا إلى كل جهد صادق في إنهاء الحرب، ولكن من أراد القتل والنهب باسم شرعية زائفة وينهب ويدمّر، فلن يجد منا أي شرعية أو اعتراف». ومع استمرار احتلال «الدعم السريع» للمقرات المدنية والمرافق الحكومية بوصفها مكاسب حربية، تتمسّك الحكومة ببند إخلاء منازل المواطنين والمباني المدنية المحتلّة، كشرط للدخول في محادثات جديدة، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية. وأوضح البيان أن «قوات الدعم السريع لا تزال تفرض حصاراً على مناطق سكنية كاملة داخل العاصمة، وتمنع وصول الأغذية والاحتياجات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين، وهو ما يُعتبر انتهاكاً لما جرى التوقيع عليه في منبر جدة بشأن المساعدات الإنسانية».
غير أن القوى المدنية المنضوية تحت ائتلاف «تقدّم»، ترى في اجتماع البرهان، وقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، السبيل الوحيد لوضع حدّ لعلميات الاقتتال. وفي هذا الإطار، بعثت «تقدّم» بخطاب إلى القائدين، لعقد لقاء بينهما تمهيداً للبدء بتفاوض مباشر وغير مشروط ومشهود من كل أطراف منبر الوساطة والفاعلين فيه على الصعيدين الدولي والإقليمي، بمن في ذلك رؤساء دول منظمة «الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا» (إيغاد)، وممثلو منبر جدة (السعودية، الولايات المتحدة الأميركية) ودول الترويكا والاتحاد الأوروبي.
ويشكّك مراقبون في إمكانية أن تنجح جهود القوى المدنية برئاسة رئيس الحكومة السابق، عبدالله حمدوك، في إنهاء الحرب، خاصة بعد الرفض المحلي وعدم الترحيب الدولي الذي قوبل به الإعلان السياسي بين المجموعة السياسية وقيادة «الدعم السريع»، فضلاً عن تمسك قيادة الجيش بشرط خروج «الدعم» من منازل المواطنين، وهو ما يعتبره البعض أمراً تعجيزياً يجب تجاوزه للاتفاق على وقف الأعمال العدائية.
لقي اتفاق «أديس أبابا» الموقّع من قِبل حمدوك وحميدتي انتقادات من بعض القوى السياسية ولجان المقاومة


وفيما وسّع الجيش من انتشاره خلال الأسبوع الحالي وبسط سيطرته على المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» في الخرطوم وشمال كردفان، يسعى قائد الأخيرة (حميدتي) للبحث عن شرعية وموطئ قدم في المشهد السياسي بمحاولة تبرير الانتهاكات التي قامت بها قواته في حق المواطنين، إذ دافع بأن من تسبّب بعمليات النهب والقتل هم «مجموعة من المستنفرين مع الدعم السريع تُعرف محلياً بالفزعة»، مشيراً إلى صعوبة السيطرة على تلك المجموعات التي قد تدخل في مواجهة مع قواته.
ويُشار إلى أن حميدتي شرع بعد ظهوره العلني في أديس أبابا، في القيام بجولة شملت العديد من الدول الأفريقية، وعلى رأسها جنوب أفريقيا ورواندا وكينيا، حيث حظي الرجل بحفاوة واستقبال رسمي، ولا سيما في هذه الأخيرة، الأمر الذي اعترضت عليه الحكومة السودانية، ونتيجة لذلك استدعت سفيرها في كينيا احتجاجاً. ووفق بيان صادر عن وزير الخارجية، علي الصادق، فإن السودان استدعى سفيره في نيروبي للتشاور، موضحاً أن التشاور مع السفير سيغطي كل الاحتمالات لمآلات علاقات السودان مع كينيا التي ظلت منذ اندلاع الحرب «توالي التمرد»، وتستضيف قادته وداعميه، فضلاً عن «التآمر مع القوى الإقليمية المعادية للسودان».
كذلك، لقي اتفاق «أديس أبابا» الموقّع من قِبل حمدوك وحميدتي انتقادات من بعض القوى السياسية ولجان المقاومة، التي عابت على الطرفين خروج الاتفاق من مهامه المطلوبة والعاجلة لوقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، إلى اتفاق سياسي. وفي هذا السياق، أوضح «الحزب الشيوعي السوداني»، في بيان، أن «القضية العاجلة التي تمثل مطلب الجماهير هي وقف الحرب وفتح الممرات الآمنة وعودة النازحين إلى مناطقهم»، مشيراً إلى أنه «ليس من حق مجموعة «تقدّم» الخروج عن المهام المطلوبة، والدخول في شكل الحكم، لأن ذلك يقرّر فيه المؤتمر الدستوري».