الخرطوم | لا يبدو أنّ ثمة أفقاً واضحاً للجهود التفاوضية الرامية إلى إنهاء الحرب في السودان، والتي يبدو أنها تمضي في طريق مسدود، بخاصة بعد إغلاق الحكومة السودانية الباب بصورة نهائية أمام مساعي «الهيئة الحكومية للتنمية» (إيغاد)، بإعلانها تجميد عضويتها في المنظمة الأفريقية بشكل كامل. وأتى قرار الحكومة ردّاً على إدراج «إيغاد»، التي تضمّ 6 دول شرق أفريقية، بنداً عن السودان أثناء قمّة رؤساء دولها، والتي انعقدت، الخميس الماضي، في العاصمة الأوغندية كمبالا، وقاطعتها الحكومة السودانية، وحضرها قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حمديتي). ودعت «إيغاد»، في ختام قمّتها تلك، طرفَي الصراع، إلى عقد لقاء مباشر خلال أسبوعين، ووقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، تمهيداً للمضيّ قدماً في طريق الحلّ السياسي. يضاف إلى ما تقدّم، أن قوات «الدعم السريع» تشارك في ورشة تنظّمها منظمة «بروميديشن» الفرنسية في القاهرة، بدأت أول من أمس وتمتدّ لثلاثة أيام، ودُعِيت إليها أيضاً الحركات المسلّحة الموقّعة على اتفاق «سلام جوبا»، لبحث الأوضاع في دارفور، وإمكانية الاتفاق على وقف لإطلاق النار في ولاية شمال دارفور، توطئة لفرضه على بقية ولايات المنطقة. إلّا أن ذلك لا يبدو ممكناً في ظلّ إعلان الجيش مقاطعته الورشة، فيما يبدو أن «الدعم» تسعى إلى خلق منابر بديلة لـ«منبر جدة»، الذي كانت قد التزمت بإعلانه الموقّع من قِبلها ومن قِبل الحكومة في أيار الماضي، وذلك بعدما عُلّقت المفاوضات الجارية عبره مطلع الشهر الماضي، على خلفية تمسُّك قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالإبقاء على المواقع ونقاط التفتيش في المناطق الخاضعة لسيطرتها في العاصمة الخرطوم. غير أن محلّلين سياسيين يَرَون أن «الدعم» لا تهدف إلى البحث عن حلول سلمية، بل تسعى إلى إطالة أمد الحرب واستنزاف الدولة السودانية توطئة لتفكيكها وإعادة تقسيم الأرض.
يرزح الشعب السوداني تحت وطأة الحرب التي دخلت شهرها العاشر


وفي هذا الإطار، يرى المحلّل السياسي، عبد الحميد أحمد، أن «هذا المخطّط صهيوني قديم تديره بالوكالة دولة الإمارات التي تقدّم الدعم المباشر لقوات الدعم السريع». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «غياب الهدف والأجندة التي تعبّر عن قوات الدعم السريع، يجعل من فرص الحلّ التفاوضي المطروحة، بالإضافة إلى المنابر جميعها، غير خالية من شبهة التواطؤ مع مشروع تمزيق السودان»، مستنكراً مساواة الولايات المتحدة، المشاركة في منبر جدة، بين الجيش السوداني وقوات «حميدتي» التي مارست أبشع أنواع الانتهاكات في حقّ المواطنين، لافتاً أيضاً إلى أن «الدول الأوروبية تهدّد بفرض عقوبات على الجيش بهدف إنهاكه وإطالة أمد الحرب».
وفي المقابل، وبينما يقف «المجتمع الدولي» عاجزاً إزاء الأزمة السودانية، مكتفياً بجهود ديبلوماسية خجولة متمثّلة في المشاركة في «منبر جدة»، وإعلانه دعم جهود المنظّمات الأفريقية، لجأ الاتحاد الأوروبي، بداية الأسبوع الجاري، إلى فرض عقوبات على بعض الأفراد والشركات المملوكة لطرفَي النزاع، على خلفية «دعم الأنشطة التي تقوّض الاستقرار والانتقال السياسي في البلاد». واستهدف القرار الأوروبي، الذي نصّ على تجميد الأصول وحظر توفير الأموال أو الموارد الاقتصادية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، شركتَين مشاركتَين في تصنيع الأسلحة والمركبات للقوات المسلّحة، بالإضافة إلى شركة «زادنا للاستثمار» التي يسيطر عليها الجيش، وثلاث شركات تابعة لـ«الدعم السريع» تشارك في شراء معدات عسكرية لقواتها.
ويأتي ذلك فيما يرزح الشعب السوداني تحت وطأة الحرب التي دخلت شهرها العاشر، حيث يعيش المواطنون أوضاعاً إنسانية وأمنية بالغة التعقيد، ولا سيما في المناطق التي تشهد عمليات الاقتتال في الخرطوم والجزيرة وولايات دارفور، بعدما علّقت المنظّمات الإنسانية أعمالها هناك. وبحسب تقرير لـ«منظمة الغذاء الدولي»، فإن البلاد «تواجه كارثة إنسانية»، بينما يواجه «5 مليون شخص من بين 18 مليوناً، الجوع الحاد»، ويتواجد «75% من المحتاجين في مناطق يصعب الوصول إليها بسبب المعارك، ومن دون مساعدتهم، هناك خطر كبير لأن ينزلقوا إلى الكارثة».