الخرطوم | تمكّن الجيش السوداني، أخيراً، من تحقيق تقدم واسع على الأرض، وبسط سيطرته على مناطق ظلَّت، على مدى تسعة أشهر من عمر الحرب، في يد قوات «الدعم السريع»، أبرزها أحياء أم درمان القديمة، وذلك بعد معارك طاحنة خاضها الطرفان. غير أنّ التطور الأهم تحقَّق مطلع الأسبوع الجاري، في شمال مدينة بحري، بعدما نفّذ الجيش، مدعوماً بالطائرات المقاتلة والمسيّرات، عمليات وصفها الناطق باسمها، نبيل عبد الله، بـ«النوعية والناجحة». كما صدّ هجمات لـ«الدعم» على مدينة بابنوسة، غربي البلاد، موقعاً قتلى في صفوفها، بحسب ما قال. وبهجومه على بحري، يسعى الجيش إلى قطع الطريق من ناحية الجنوب أمام «الدعم»، المحتمية، منذ نيسان 2023، في مصفاة البترول في منطقة الجيلي، شمالي الخرطوم، والتي تشكّل مركزاً رئيسياً للعمليات التي تشنّها «قوات حميدتي» على جميع المناطق الواقعة شمالي العاصمة. وبحسب ما تظهره مقاطع مصوّرة عرضها الجيش، فإن الأخير يستعدّ لمحاصرة المصفاة من الناحية الشمالية برتل كبير من السيارات القتالية (أكثر من 200 سيارة).ورغم التقدّم الذي يحرزه في الميدان، تحدّثت تقارير صحافية عن لقاء جمع مساعد القائد العام للجيش، الفريق شمس الدين الكباشي، والقائد الثاني في «الدعم السريع»، عبد الرحيم دقلو، في الأيام الماضية، في العاصمة البحرينية المنامة، بحضور ممثّلين عن السعودية والإمارات ومصر، للبحث في مخرج لإنهاء الحرب عبر المفاوضات المباشرة بين طرفَيها. ووفقاً للتسريبات، طالبت «الدعم السريع» باستعادة نفوذها السياسي والتنفيذي، وتجميد قرار حلّها وفكّ الحظر عن شركات قواتها وأموالها، إلى جانب استبعاد الإسلاميين من السلطة وإعادة مَن كان مسجوناً منهم إلى السجن. ومن جهته، طالب الوفد الممثِّل للجيش بإعادة «المنهوبات» من قِبَل «الدعم»، ودفع تعويضات لا تقل عن 30 مليار دولار، إلى جانب الخروج من الأعيان المدنية والمقار الحكومية، علماً أن المصادر لفتت إلى أن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، رفض مطالب «الدعم». وبدا لافتاً أن اللقاء المذكور استبعد القوى المدنية، برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، رغم أنها تقود جهوداً ديبلوماسية تحت مظلّة منظّمة «ايغاد» لعقد لقاء يجمع البرهان إلى قائد قوات «الدعم»، محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وإذ لم يصدر أيّ تعليق رسمي عن الجيش في خصوص لقاء كباشي - عبد الرحيم، فقد اعتبر المحلّل السياسي، عادل عبد الرحيم، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «الغرض من تلك التسريبات، هو تحريض الشارع على قادة الجيش، إذ ترفض غالبية السودانيين التفاوض مع قوات الدعم السريع من حيث المبدأ، بغضّ النظر عن الشروط المطروحة من الطرف الآخر»، مضيفاً: «ليس خافياً على أحد أنّ التيارات الإسلامية هي من أقوى التيارات الرافضة للتفاوض، وترى أن الحسم العسكري هو الطريق الوحيد لإنهاء الحرب». في المقابل، يَظهر أن أطرافاً إقليمية، من بينها مصر، بدأت تحثّ الجيش على قبول التفاوض، وإنْ تحت سقف بعيد ممّا اتُّفق عليه في «منبر جدة».
يبلغ عدد النازحين بسبب الصراع في السودان، 10 ملايين و700 ألف نسمة


بالتوازي مع ما تقدّم، يسعى قائد الجيش، من جهته، إلى خنق «الدعم السريع» التي أعلنها «قوّة متمردة» منذ اندلاع الحرب في نيسان من العام الماضي، ديبلوماسياً، وذلك عبر الدفع إلى تصنيفها من قِبَل المجتمع الدولي والمنظّمات الدولية كـ«ميليشيا إرهابية» ارتكبت الفظائع في حقّ المواطنين العُزّل. وفي هذا السياق، قام البرهان، أول من أمس، بزيارة رسمية إلى الجزائر، حيث التقى رئيس الدولة، عبد المجيد تبون، الذي أكد وقوف بلاده إلى جانب السودان «لتجاوُز الظروف الصعبة، وقوى الشر التي تستهدف البلاد». وأشار البرهان، بدوره، إلى أن السودان «يتعرّض لمؤامرة بتواطؤ شركاء إقليميين ودوليين». وفي رأي عادل عبد الرحيم، فإن زيارة قائد الجيش إلى الجزائر كانت بغرض الاستفادة من وزن هذا البلد داخل أروقة المنظّمات الإقليمية، ولا سيما الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن.
في المقابل، قال مدعي عام «المحكمة الجنائية الدولية»، كريم خان، أول من أمس، إن طرفَي الصراع يرتكبان جرائم في دارفور، محذّراً من أن السودان يتّجه نحو نقطة الانهيار. وأوضح خان، في إفادة قدّمها أمام مجلس الأمن من العاصمة التشادية أنجمينا، أنه «بعد مقابلات مع اللاجئين السودانيين، هناك أسباب للاعتقاد بأن الجرائم المنصوص عليها في «نظام روما» تُرتكب حالياً في دارفور من قِبَل القوات المسلحة السودانية وقوات «الدعم السريع»». وجاء تقرير خان بعدما فتحت «الجنائية الدولية» تحقيقاً جديداً، في تموز الماضي، في شأن جرائم حرب محتملة في دارفور، غربي السودان، إثر العثور على 87 جثة دُفنت في مقبرة جماعية في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور. وبحسب «منظمة الهجرة الدولية»، يبلغ عدد النازحين بسبب الصراع في السودان، 10 ملايين و700 ألف نسمة، وهو ما يمثّل رقماً «صاعقاً». ووفقاً لمديرة المنظمة، إيمي بوب، فإنه يوجد سوداني واحد ضمن كلّ ثمانية نازحين داخليين في العالم، وإن النازحين يعانون من نقص حادّ في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والصرف الصحي، ما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض وسوء التغذية.