الخرطوم | في الوقت الذي تستبيح فيه قوات «الدعم السريع» قرى ولاية الجزيرة وسط السودان، في ظل غياب كامل للجيش، يقود رئيس «مجلس السيادة»، عبد الفتاح البرهان، ونائبه مالك عقار، تحركات ديبلوماسية في عدد من الدول الأفريقية، لا يعوَّل عليها لتحقيق اختراق في جدار الحرب، فيما يبدو أن الهدف منها تأليب زعماء تلك الدول على «الدعم» من بوابة انتهاكاتها بحق المواطنين، ثم الدفع نحو تجريمها من قبل «المجتمع الدولي». وفي السياق نفسه، لا يستبعد مراقبون أن يكون الهدف من إحجام قيادة الجيش عن إصدار تعليمات لإنقاذ أهالي قرى الجزيرة، حصد المزيد من الإدانات الدولية لـ«الدعم»، وبالتالي تحصيل مكاسب للجيش، علماً أن «لجان المقاومة» السودانية أصدرت بياناً، وصفت فيه ما يحدث في الولاية بـ«الجرائم ضد الإنسانية»، متهمةً «الدعم» بمهاجمة 53 قرية، وارتكاب مجازر وإرهاب وسلب ونهب بحق مواطني هذه القرى، وسط انقطاع كامل لشبكة الاتصالات والإنترنت لأكثر من ثلاثة أسابيع.وتأتي هذه التطورات فيما فشلت كل الجهود التي قادتها عدة دول عربية بالشراكة مع أطراف غربية، أو تلك التي قادتها المنظمات الأفريقية، من مثل «الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا» (إيغاد)، في وضع حدٍّ للحرب المستعرة في البلاد منذ الخامس عشر من نيسان الماضي، والتي خلّفت أكثر من 13 ألف قتيل ونحو 8 آلاف نازح ولاجئ، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة. ورغم ما تقدّم، دخلت ليبيا، التي تربطها بالسودان حدود مشتركة، على خط الأزمة على نحو مفاجئ، بإعلان رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، مطلع الأسبوع الماضي، في اتصال هاتفي مع قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، عن مبادرة لإحلال السلام في السودان. وإذ أثارت خطوة الدبيبة الأخيرة، انتقادات محلية، على اعتبار أن ليبيا نفسها عاجزة عن إيجاد حلول لأزماتها الداخلية، فضلاً عن افتقارها إلى مؤسسات حكومية تؤهلها للعب دور الوسيط، فقد فشل الرجل في الجمع بين البرهان ودقلو، إذ وصل الأخير إلى طرابلس بعد 72 ساعة من مغادرة الأول الأراضي الليبية، الإثنين الماضي. وبحسب بيان لـ«مجلس السيادة» السوداني، فإن البرهان أطلع الدبيبة على التطورات في السودان وعلى «الانتهاكات الجسيمة التي قامت بها قوات الدعم واستهدافها للمدنيين، وانتهاجها سياسة التدمير الممنهج للدولة السودانية»، فيما أكد رئيس «المجلس الرئاسي الليبي»، محمد المنفي، دعم بلده لوحدة واستقرار السودان، ولجهود البرهان الرامية إلى تحقيق ذلك.
يبدو أن البرهان يهدف من وراء قبوله الوساطات الخارجية، إلى أن يبرهن انفتاحه على كل المبادرات السياسية


وبعيداً من المواقف المعلنة، يحتمل مراقبون أن تكون التحركات الليبية نابعة من الخشية من زيادة تدفق اللاجئين السودانيين إلى الأراضي الليبية في حال توسع الحرب واستمرارها، ولا سيما من ولايات دارفور المتاخمة للحدود، علماً أن الدبيبة شدّد، أثناء لقائه حميدتي، على «ضرورة إنهاء الحرب والصراع في السودان، وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة»، وفقاً للمكتب الصحافي لرئيس «حكومة الوحدة» الليبية. وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي، أمير بابكر، أن «ليبيا غير مهيأة للعلب دور الوسيط، فهي غارقة في مشكلاتها الداخلية»، مرجحاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن تكون زيارة البرهان إلى طرابلس «في إطار تبادل وجهات النظر، وخاصة أن هناك أطرافاً ليبية، من مثل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على علاقة بالدعم السريع»، ومستدركاً بأن «ليبيا لا تزال دولة هشة ويمكن عبرها توريد السلاح إلى السودان».
وعلى خط مواز، أنهى البرهان زيارة إلى القاهرة استمرت عدة ساعات، أجرى أثناءها مباحثات مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي جدّد «حرص بلاده على أمن السودان، ومواصلة الدعم لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني فيه، ودعم وحدة الصف السوداني وتسوية النزاع القائم»، وفقاً لبيان «الرئاسة المصرية»، فيما عرض البرهان على الجانب المصري «رؤية الحكومة لإنهاء الحرب واستدامة السلام». وفي هذا الإطار، يرى محلّلون أن مصر تحاول إنعاش المسار السياسي لإنهاء الأزمة السودانية، ولا سيما بعد فشل المبادرات التي كانت هي جزءاً منها من مثل منبرَي «جدة» و«المنامة». وبحسب بابكر، فإن مصر «تحاول لعب دور أساسي في الأزمة السودانية، عبر علاقاتها مع أطرافها، سواء العسكر أو الأحزاب أو القوى المدنية». ويشير إلى أن زيارة البرهان «تمت بناءً على رغبة الحكومة المصرية»، مضيفاً أن «الأخيرة وبحكم علاقاتها مع الرجل، تستطيع الضغط عليه في إطار الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لحل الأزمة سلمياً». وفي المقابل، يبدو أن البرهان يهدف من وراء قبول الوساطات الخارجية، إلى أن يبرهن لـ«المجتمع الدولي» انفتاحه على كل المبادرات السياسية، من دون التعويل عليها للخروج بنتائج ملزمة لوقف إطلاق النار، كونه أكّد، وفي أكثر من مناسبة، أن الحل يكمن في الداخل، وأن التفاوض لوقف الحرب ينبغي أن يتمّ بين الأطراف السودانيين أنفسهم.