وبعيداً من المهمات الثقيلة والفضفاضة التي تتكرر مع كل تشكيل حكومي من دون أن تبصر النور فعلاً، يبدو أن حظوظ الحكومة في النجاح لن تكون أكبر من سابقاتها، نظراً إلى جملة حقائق ووقائع باتت متلازمة مع النظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي تمثل أزمات مستعصية بلا حل جذري لها. إذ ثمة، أولاً، تركة ثقيلة من الحكومة السابقة، وتحديداً على الصعيد الاقتصادي المتدهور في الضفة، بفعل سياسات الاحتلال على الأرض، من تدمير للمقومات الاقتصادية جراء الاجتياحات والاقتحامات، واستيلاء على إيرادات الحكومة المتمثلة في المقاصة، والذي يُعجز الأخيرة عن سداد التزاماتها المالية تجاه الموظفين أو القطاعات المختلفة، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة، جرّاء تعطل أكثر من 200 ألف عامل كانوا يعملون داخل الخط الأخضر، وأضحوا اليوم غير قادرين على تأمين قوت عيالهم.
أقدم عباس على ملء الشواغر وتعيين محافظين جدد، بعد 7 أشهر من إحالة 12 محافظاً إلى التقاعد
وفيما سيرى الجمهور، للمرة الأولى، وجوهاً جديدة في وزارات كانت تحوّلت إلى قلاع لبعض الشخصيات منذ سنوات، من مثل الخارجية والمالية، يستهدف هذا «التغيير»، وفقاً للتسريبات، تعيين ما بين 7 إلى 8 وزراء من قطاع غزة، وهو ما سيظلّ مشكوكاً في القدرة على تنفيذه. وبحسب التسريبات، فإنّ مصطفى «أعد خطة لإعادة إعمار قطاع غزة تقوم على تأسيس هيئة مستقلة تشرف عليها لجنة استشارية دولية تضم خبراء وشخصيات دولية معروفة، وتخضع حساباتها لمراقبة البنك الدولي، وإن ثلثي أعضاء هيئة إعادة الإعمار سيكونون من القطاع». وتعقيباً على تكليف مصطفى، قالت حركة «حماس» والفصائل المقاومة في غزة إن «الأولوية لمواجهة العدوان وحرب الإبادة والتجويع»، مشيرة إلى أن «اتخاذ قرارات فردية كتشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني، تعزيزٌ لسياسة التفرد وتعميق للانقسام». وإذ أكدت الفصائل أن «الخطوة تدل على عمق أزمة قيادة السلطة والفجوة الكبيرة بينها وبين شعبنا وتطلعاته»، دعت «كل القوى الوطنية وخصوصاً الإخوة في فتح إلى التوافق على إدارة هذه المرحلة المفصلية». وستتضّح آلية التعامل مع الحكومة الجديدة، لاحقاً، خاصة إذا ما شرعت الحكومة، وفقاً للتصورات الموضوعة، في مباشرة مهامها المكلفة بها، دون تلبية لمطلب «التوافق» الذي طالبت به الفصائل.
على أن الحكومة الجديدة لا تمتلك حلولاً سحرية، ولن تجترح المعجزات لإحداث تغيير كبير ومطلوب، وخصوصاً أنها لن تلعب أي أدوار سياسية في المرحلة المقبلة. أما عملها، فسيكون مقيداً بضوابط السلطة الفلسطينية والتزاماتها واتفاقياتها مع إسرائيل وإملاءات «المجتمع الدولي». لا بل قد تكون مكبلة أكثر من غيرها، من داخل النظام السياسي القائم نفسه، نظراً إلى تسريبات عن معارضة واسعة في «المجلس الثوري لحركة فتح» لتعيين مصطفى. والواقع أن السلطة ورئيسها لا يكترثان كثيراً لنجاح الحكومة المقبلة، كونها خرجت من رحم ضغوط دولية وعربية، يهدف «أبو مازن» إلى التخفّف منها، على أن تكون هذه الخطوة بوابة لاستعادة السيطرة على غزة بعد انتهاء الحرب، وفقاً للوعود الغربية.
وضمن هذا السياق، أقدم عباس على ملء الشواغر وتعيين محافظين جدد، بعد 7 أشهر من إحالة 12 محافظاً إلى التقاعد، وأيضاً بعد أسابيع من إعلان رئيس الوزراء السابق، محمد اشتية، البدء بتنفيذ برنامج «الإصلاح الحكومي» بتوجيه من عباس، علماً أن تعيينات المحافظين الجدد لم تحمل أي «دماء جديدة»، كون معظمهم كانوا «نواب المحافظين السابقين»، وجلّهم من حركة «فتح»، لكن هذه المرة من فئة الشباب، وليسوا ذوي خلفية أمنية واضحة، إذ لا يحملون رتباً عالية من مثل لواء وعميد وعقيد، على غرار سابقيهم منذ نشوء السلطة. وإلى جانب ذلك، لم يغفل الرئيس إجراء «تغيير» شكلي في السلطة القضائية، بعد انتقادات واتهامات لازمتها لسنوات بالتبعية والتخلي عن استقلاليتها، فأقدم على قبول استقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، عيسى أبو شرار، الذي عينه الرئيس بنفسه.