تونس | كما كان متوقعاً، أُجّل التعديل الوزاري على الحكومة التونسية مرة أخرى، بعدما فشلت حركة «النهضة»، أقوى أحزاب الائتلاف الحاكم، في إقناع أحزاب المعارضة بالالتحاق بالحكومة التي تسعى منذ أشهر الى توسيعها، في الوقت الذي لا يزال فيه شريكاها في الحكم، «التكتل من أجل العمل والحريات» و«المؤتمر من أجل الجمهورية» متمسكين بشروطهما، وأبرزها إبعاد وزيري العدل والخارجية وتحييد الادارة. الحصار الذي تعيشه «النهضة» يتزامن مع تفاقم الغضب الشعبي نتيحة ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم المالي، ما يهدد البلاد بأزمة اقتصادية قد تكون الأسوأ في تاريخها. إعلان رئيس الحكومة حمادي الجبالي، عن تأجيل التعديل الوزاري الذي كان مقرّراً عرضه على المجلس التأسيسي أول من أمس، جاء بعد ساعات من التجمع الكبير، الذي عقدته النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي والاتحاد الوطني لقوات الأمن، وضم حوالى أربعة آلاف من سلك الأمن من مختلف اختصاصاته. وهو التجمع الأول الذي يعقده منتسبو الأمن، وقد رفعوا فيه شعار «ديقاج» (ارحل) لوزير الداخلية والرجل الثالث في «النهضة» علي العريض، وطالبوا بتحييد وزارة الداخلية عن كل الأحزاب السياسية، واتهموا الحزب الحاكم بتوظيف الجهاز الأمني لخدمة مصالحه السياسية، كما اتهموا الوزير بزرع مستشارين من حزبه في الوزارة لمراقبة أداء الضباط وكبار المسؤولين، ورأوا أن «النهضة» تعمل على إرساء جهاز موازٍ لتصفية أي معارضة لتوجهاتها في وزارة الداخلية، التي تبقى الوزارة الأهم التي وظفها بن علي لتصفية المعارضين وكتم أصواتهم وزرع مناخ من الخوف.
الأمنيون طالبوا أيضاً بسنّ فصل في الدستور الجديد ينص على استقلالية الجهاز الأمني، واعتباره أمناً جمهورياً، لا تابعاً للحزب الحاكم مهما كان اسمه أو توجهه السياسي أو الفكري، كما طالبوا بإنصاف عائلات شهداء وزارة الداخلية، الذين سقطوا في الثورة.
وتمسك الأمنيون في تجمعهم الحاشد برفع قضية ضدّ الوزارة، التي اتهمها عدد من النقابيين بممارسة العبودية، إذ إنه ما من قانون أساسي يحدد ساعات العمل وظروفه والمنح المالية. ولهذا رأى عدد من القادة النقابيين أن ظروف العمل شبيهة بالعبودية، وأكدوا على تكليف محامين ملاحقة الوزارة والوزير علي العريض.
انتفاضة الأمنيين ليست الاولى؛ فمنذ ١٤ كانون الثاني ٢٠١١ لم تكف نقابات الأمن عن رفع مطالبها، بتحييد الوزارة والنأي بهم عن التجاذبات الحزبية، لكنها المرة الأولى التي يكون فيها الحضور بالآلاف، وتُرفع فيها شعارات تستهدف الوزير مباشرة. ومع تمرد رجال الأمن، الذين أعلنوا عن تنظيم تجمع ثان في أواخر الشهر الجاري بساحة الحكومة بالقصبة، يكون الوزير علي العريض في مواجهة داخل وزارته هذه المرة، بعد أشهر من الصراع من المعارضة، التي تطالب برحيله وتحييد الوزارة الأهم في تونس، على خلفية اتهامه بالتستر على المجموعات السلفية التي تمارس العنف، وعلى روابط حماية الثورة، التي استهدفت النشطاء السياسيين والإعلاميين والحقوقيين، في الوقت الذي تتعامل فيه الأجهزة الأمنية بحدّة مع الاحتجاجات الشعبية، التي ترفع مطالب التنمية والتشغيل.
هذه هي الأسباب التي تقف وراء تمسك المعارضة بإقالته. مع أن العريض ينفي كل الاتهامات التي توجهها اليه المعارضة. ويرى أن الحديث عن انحياز الداخلية لحزب دون آخر لا أساس له من الصحة. ويؤكد دائماً على المرجع الوحيد في الأداء الأمني وهو تطبيق القانون على الجميع لا على المعارضة فقط. ولم يسلم الوزير من هجوم السلفيين عليه أيضاً، بعدما اتهموه باستهدافهم تنفيذاً لأجندات أميركية وأجنبية. علي العريض، الذي قضى حوالى سبعة عشر عاماً في سجون بن علي، من بينها أكثر من عشر سنوات في سجن انفرادي، أصبح في مرمى الجميع، لكن «النهضة» لا تزال ترفض مطلب إقالته أو حتى النقاش في الموضوع، فماذا تخفي الأيام القادمة لتونس بعد دخول الأمنيين على خط الاحتجاج؟