القاهرة | لأن جبهة الإنقاذ الوطني المصرية الكيان الذي يجمع أكبر عدد من الأحزاب والحركات المعارضة للرئيس محمد مرسي، فقد كان لها النصيب الأكبر من المسؤولية عما يجري في مصر هذه الأيام. لكن المعارضة ترد على هذا الاتهام محمّلة المسؤولية للسلطة الإخوانية. أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحزبهم (الحرية والعدالة) والأحزاب الإسلامية بصفة عامة، يُحمّلون الجبهة المسؤولية عن أحداث العنف المستمرة منذ أيام. ويقول القيادي في حزب الحرية والعدالة هشام جودة، لـ«الأخبار»، «كان بإمكان الشعب أن يحتفل ويفرح بالذكرى الثانية للثورة التي بهرت العالم وشغلته بسلميتها، إلا أن الجبهة أرادت لنا أن نبكي ضحايا جدداً، استكتروا علينا الفرحة». وأضاف «إن كان لديهم مطالب يرون أنها لصالح الدولة فلماذا لا يتقدّمون بها إلى مؤسسة الرئاسة بالطريقة السلمية بعيداً عن التظاهرات والمسيرات التي تعطّل مصالح العباد ويندسّ بينهم مخربون يؤدون بنا إلى هذه الحالة؟».
جودة بدا مستاءً من رفض الجبهة المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس محمد مرسي، معتبراً أنه تقدير خاطئ، و«كان عليهم الحضور من أجل البلد الذي نتمنى أن ينعم الله عليه بالأمن والاستقرار».
ما قاله القيادي في جماعة الإخوان يردده العديد من الشارع، وخصوصاً تلك الفئات التي تخشى من العنف أكثر من أي شيء آخر. تلك الفئة التي ترى أن العنف ضد السلطة هو خطر عليها شخصياً كونها الفئة الأضعف في المجتمع.
جبهة الإنقاذ تدافع عن نفسها باعتبار أنها أيضاً تُعبّر عن قطاع عريض من الشارع المصري لم يعد يحتمل أخطاء النظام القائم، مشيرة إلى أن رفضها لحضور الحوار هو لعدم جدية الدعوة ولاعتقادها بأن الدعوة جاءت صورية لا أكثر، من دون أي ضمانات حقيقية لتنفيذ ما سيخرج عنها.
ويبدي نائب رئيس حزب المؤتمر المشارك في جبهة الإنقاذ، خالد عمر، استعداد الجبهة للتحاور مع الرئاسة، ولكن بشروط أهمها أن تكون هناك «أجندة واضحة وباتفاق تام على معايير تُسفر عنها نتائج جادة وصادقة»، مضيفاً إنه لو تمت الدعوة إلى الحوار بشكل صحيح وأجندة واضحة ومدروسة فسيكون حزب المؤتمر أول الأحزاب السياسية التي ستذهب إليه وتتحاور بشكل ديموقراطي يصب في صالح مصر، والجبهة أيضاً. فالهدف الذي تسعى إليه الجبهة هو «لمّ شمل المصريين وتوحيدهم جميعاً ودفع مصر إلى برّ الأمان».
رغم ما ساقه عمر من تأكيدات بأن الجبهة تسعى إلى لمّ الشمل، يبقى أنها رفضت الحضور فعلياً في جلسات الحوار، وهناك من الساسة من ذهب إلى القول إن المرحلة التي تمر بها البلاد الآن غير ممكنة لأن يجلس الجميع في جلسات حوار وطني من دون وضع شروط قبل ذلك. غير أن الجبهة وضعت أكثر من شرط، من بينها أن يُقدم الرئيس على تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإجراء تعديل في الدستور الجديد، وإقالة النائب العام الحالي وإلغاء ما ترتب من آثار في الإعلان الدستوري الذي أصدره في 21 تشرين الثاني الماضي. البعض يرى أن تلك المطالب ليس وقتها الآن، ما يدفع إلى السؤال: هل تتحمل جبهة الإنقاذ مسؤولية مقاطعتها الحوار في تلك الفترة وما قد ينجم عنها من استمرار الوضع كما هو عليه؟ وهل يمكن أن يتحملوا عودة العسكر من جديد إلى الحكم؟
«أنا أو الفوضى، قالها (الرئيس السابق حسني) مبارك من قبل ليُحذّر من الثورة، وها هو مرسي يؤكد عليها الآن ليخيفنا من استكمال الثورة التي لم تنجز سوى إزاحة مبارك»، بتلك الكلمات بدأ القيادي في جبهة الإنقاذ عبد الغفار شكر حديثه إلى «الأخبار»، قائلاً «نعم، نتحمل مقاطعة الحوار الوطني». وأضاف «طالما لا تتوافر ضمانات الحوار الحقيقي، فلن نضحك على أنفسنا ونلهث وراء حوار أشبه بالدردشة التي لا تحتملها مصر في مثل هذا التوقيت». ويرى أنه «في الوقت الذي تعاني فيه مصر أزمة شاملة تحتاج الى حلول سياسية واقتصادية واجتماعية نجد أن مرسي يُغلّب الحل الأمني منفرداً».
وحول ما يتردد عن أن الانقلاب على مرسي يعني عودة العسكر أو الجماعات الإسلامية المتطرفة وسيطرة العنف المسلح على الشارع، قال شكر «تلك الأمور لا بد إلا أن تشغل بالنا، فالهدف منها الترويع من استكمال مسيرة الثورة، ولكن على السلطة أن تتحمل مسؤوليتها وتفتح الباب أمام الطريق الصحيح لاحتواء الأزمة المتفجرة في طول مصر وعرضها».
وجهة النظر نفسها لدى أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة، عضو جبهة الإنقاذ الوطني، جابر نصار، الذي اعتبر أن دعوة الرئيس مرسي إلى الحوار لم تكن جدية. ووصفها بأنها دعوة لتضييع الوقت والدردشة وترحيل الأزمة، موضحاً أن «الحوار لم يكن له أي جدول أعمال ولا أهداف ولا أطراف فاعلة، واهتم فقط بالتركيز على الانتخابات البرلمانية المقبلة، رغم أن الحديث عن الانتخابات الآن هو أمر متعمد لتجاهل الأزمة التي تضرب جميع محافظات مصر». ووصف نصّار الوضع قائلاً «نحن أمام حكومة عاجزة ورئيس جمهورية يفتقد الرؤية»، معتبراً أن الرئيس وحده يملك أن يقدم البديل. وتساءل عن الأسباب التي تجعل مرسي يصر على الحكومة الحالية، رغم فشلها الظاهر للقاصي والداني، مشيراً إلى أن «الرئيس يصرّ على أخطائه فسبق وطالبه الكثيرون بعدم الاستعجال في كتابة الدستور وفي طرحه للاستفتاء أيضاً وحذّروه من مشاكل مستقبلية، ورغم ذلك تجاهل الأمر لتصل بنا الحال الى انفجار الأوضاع. ورغم ذلك، لا يزال مرسي مصراً على الاستعجال والدخول في انتخابات برلمانية، رغم ما تشهده البلاد تأكيداً على سياسته في ترحيل المشاكل».
وعن إمكانية عودة سيطرة العسكر من جديد، رأى نصار أن «الشعب المصري أصبح عصيّاً على الحكم المستبد، وسيظل ثائراً حتى يحصل على حقوقه، مشدداً على أن «السلطة لا تُمارس بالقوة، بل بالهيبة».
رغم ذلك، تبقى التساؤلات في مكانها، ولا سيما أن مقاطعة الحوار في السابق من قبل جبهة الإنقاذ لم تسفر عن أي مكاسب للمعارضة، بل على العكس. مشروع الدستور دخل إلى الاستفتاء كما هو من دون تعديل، وتمّت المصادقة عليه. التجربة الحالية قد تكون مشابهة، إلا إذا كانت الجبهة تعوّل على شيء آخر من دون الإفصاح عنه.