غزة | استغرقت صدمتي 5 دقائق كاملة، من دون أي حركة أو التفاتة. كان صوت المذيع الخارج من الراديو يقول: «أعزائي المستمعين لنثبت لكم حرصنا على نقل الحقيقة، الآن نقدم لكم برنامجنا الحواري الجديد: مع الأرواح. نعم، الشيخ محمد سوف يستحضر لنا أرواح الذين ماتوا لهذا اليوم، عائلة خضير، أليس كذلك شيخ محمد؟».
الشيخ: «نعم، وبتوفيق من المولى سوف استحضرهم فرداً فرداً». يعود المذيع ويُكرِّر هذا الوعد، حتى إنه اضطر إلى أن يحلف. وكأنه كان يدرك أن لا أحد يصدقه. تابعت برغم صدمتي، فركتُ عينيَّ مراراً، قرصتُ نفسي... لا لا، الأمر حقيقي! و... بدأ الحوار: المذيع: «أعزائي. والآن معنا على الهواء مباشرة رُوح الشهيد حازم خضير، ماذا سيقول هذا الرجل؟ لقد سمعنا الأخبار، لنرَ!» الشيخ يُهلّل: «الله أكبر... نعم إن رُوح حازم معنا الآن». يقول المذيع «أخبرنا ما الذي حدث؟».
حازم: أولاً أطمئنكم إلى أن جثتي المُحترقة أصبحت باردة جداً تحت الأرض، ثانياً يا سادة ما ذنبي؟». المذيع يتدخل «حازم... حازم. أخبرنا عن الحادثة بالتفصيل رجاءً». حازم: «حسناً. كنت سهراناً مع زوجتي وأطفالي الأربعة، للأسف الكهرباء كالعادة مقطوعة، أشعلنا الكثير من الشمع حولنا». توقف صوته فجأة وسمعتُ وشوشة... لم أفهمها.
ثم أعلن المذيع «والآن يخبرنا الشيخ بأن روح زوجته حضرت وتريد التحدث. نعم سمر نسمعكِ تفضّلي».
سمر «أنا أيضاً جثتي باردة، لكننا بخير أكثر بكثير مما كنا عليه عندكم (كان صوتها ممزوجاً ببكاء). حازم أنا اشتقتلك، هل تنام جيداً؟ واشتقت إلى الأولاد! ليتك لم تُصرّ على إشعال الشمع، كان بإمكاننا أن ننام...».
المذيع: «سمر نحن نقدِّر مشاعرك، ونودّ أن نخبرك بأننا لن نصمت، والشعب كله يدين ما حدث. نعم حتى السيد الرئيس ورئيس الوزراء، كلهم يا سمر ويا حازم يستنكرون، ويشعرون بالأسف لما حدث لأطفالكم الأبرياء، ضحايا أزمة الكهرباء والـ...». إذا بصوت يقول «أنا مش ضحية! وأختي قمر مش ضحية!». المذيع «يا شيخ ما هذا؟».
الشيخ: «الأطفال دون سن التاسعة، أرواحهم تحضرُ مع حضور أرواح والديهم! وهذا صوت فرح... نعم ابنتي أكملي...».
فرح: «عمّو احكيلهم إحنا شهداء، احكيلهم إحنا مبسوطين هان. نور ربنا مكفّينا. هان يا عمّو في عدل، بالتلاجة تبعت الموتى شفت نبيل ومحمود... إخوتي، كانوا كمان بيضحكوا. إنتو ليش زعلانين علينا»! «آه يا فرح... إحنا كتير مبسوطين. احكيلهم يزعلوا على حالهم» يقول الشيخ «هادا محمود...» محمود «عمّو أنا زعلان عليكم، ليش راضيين بالذل؟ ليش؟».
المذيع: «آلو؟ آلو؟ أعزائي يبدو أننا فقدنا الاتصال بأرواحهم، حسب ما أفادني الشيخ محمد، نعتذر لعدم تقدير الوقت جيداً، فهذه التجربة الأولى من نوعها، نتمنى أن تكون قد وصلت الرسالة. شكراً لاستماعكم... بأمان الله».