سادت حالة من الهدوء الحذر الأجواء السياسية المصرية على مستوى الأفعال الرسمية والمواقف الديناميكة ذات التأثير المباشر على الأحداث بالتزامن مع تراجع حدة المواجهات في الشارع بين الشرطة والمحتجين واقتصارها على مواجهات أمام قسم شرطة ثاني طنطا نتيجة محاصرته من قبل مجموعة «بلاك بلوك».
إلا أن هذا المشهد قطعه إعلان وزير الثقافة المصري محمد صابر عرب تقديم استقالته من الحكومة احتجاجاً على العنف الذي تمارسه الشرطة بحق المواطنين. وجاءت استقالة عرب بعد أيام من تعرض حمادة صابر للسحل والتعرية من ملابسه على يد الشرطة أمام القصر الرئاسي في القاهرة، وبعد ساعات من إعلان وفاة اثنين من النشطاء متأثرين بجراحهما، بينهما محمد الجندي عضو التيار الشعبي. وأثارت وفاة الجندي حالة من الغضب الشديد، نظراً إلى اختفائه عدة أيام قبل العثور عليه في مستشفى الهلال برمسيس وعليه آثار التعذيب.
وفاة الجندي شبهها أكثر المتابعين والمراقبين بأنها حالة «خالد سعيد» جديدة على يد أجهزة الشرطة، بعدما خرجت ترجيحات كثيرة تشير إلى اختفائه في أحد معسكرات الأمن المركزي في منطقة الجبل الأحمر، الأمر الذي يثير مخاوف من موجات أخرى من الغضب الشعبي إن لم تتخذ السلطة السياسية إجراءات جادة تثبت انحيازها إلى حقوق الإنسان وكرامته، لا مجرد أصدارها بياناً أصدرته تؤكد فيه عدم قبولها بعودة انتهاك حقوق المواطنين وحرياتهم. وكشفت الرئاسة، التي ستستأنف الحوار الوطني الأسبوع المقبل بعد انتهاء قمة منظمة التعاون الإسلامية، أمس أنها تواصلت مع مكتب النائب العام طلعت إبراهيم لمعرفة أسباب وفاته، لكن ذلك لن يكون كافياً في إطفاء حالة الغضب المتأججة.
وفاة الجندي كانت محل انتقاد جميع الأطراف السياسية، بدءاً من جماعة الإخوان المسلمين التي طالبت بتحقيق فوري في سبب وفاته ومحاسبة المتورطين. وأكدت أهمية أن يكون هناك تحقيقات موازية في حالات الاعتداء على الشرطة المصرية وبعض حالات العنف التي مورست ضدها.
أما مؤسس التيار الشعبي، حمدين صباحي، الذي حضر مراسم تشييع جثمان الجندي، فصعّد من نبرته ضد الرئاسة وجماعة الإخوان، محملاً الطرفين المسؤولية مع الداخلية في إراقة الدماء. وأعلن في تصريحات صحافية نية جبهة الإنقاذ عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة في ظل «نظام قمعي». لكنّ مشهداً لافتاً في تشييع الجنازة كشف عن أزمة الثقة التي تمر بها قيادات جبهة الإنقاذ مع جزء من قواعدها، حينما حدثت مشادة بين عدد من الحاضرين حول اتهام صباحي وقيادات الجبهة بالمتاجرة بدماء الشهداء، وهي نبرة مشابهة لما قاله عدد من النشطاء.
وجاءت تصريحات المرشح الرئاسي السابق، عضو الجبهة، عمرو موسى، لإحدى القنوات الفضائية العربية، بأن الجبهة لا تسعى ولا تطالب بإسقاط النظام، بل ترفض الهيمنة والاستبداد، لتكشف أن الجبهة لديها مأزق آخر مع الشرعية السياسية للنظام، والتي لا تريد الظهور بمظهر الراغب في الانقلاب عليه، وهو ما يظهرها بمظهر المتخبط بين اتخاذ الموقف الثوري الصلد في المعارضة والمعارضة المتعقلة ذات المطالب الممكنة كتغيير الحكومة، الذي أشار موسى إلى أنه لا يحتاج إلا إلى إرادة سياسية جادة.
أما محمد البرادعي، فتحدث بلهجة حادة على «تويتر» شدد فيها على أن «على الباغي تدور الدوائر، وأن أرواح عمرو سعد ومحمد كريستي ومحمد الجندي (الذين سقطوا في أعقاب تظاهرات الذكرى الثانية للثورة) لن تذهب سدى»، متخذاً موقفاً مشابهاً في تجاهل مطلب إسقاط النظام الذي كان ملمح مطالب الجبهة الأيام الماضية، ليظهر أن الجبهة تتجه للتصعيد بشكل أقوى قبل رفع مطلب إسقاط النظام مرة أخرى.
بدورها، أدانت الجبهة السلفية وفاة الجندي، موجهة رسالة إلى مرسي بأنه سيتحمل مسؤولية وفاة الناشط إن لم يحاسب المتورطين في قتله. أما نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، فوصف الحوادث المتكررة والمتهم فيها أفراد من رجال الشرطة بالقتل والتعذيب بأنها انتهاك للدستور والقانون ﻻ يمكن السكوت عنها، عازياً إياها إلى أن «عقيدة جهاز الشرطة تشكلت على مدار عقود طويلة منذ إنشائه على حماية الحاكم على حساب الشعب، بسبب غياب الديموقراطية».
أما الجماعة الإسلامية، فأعلنت تأجيل تظاهرها عند مسجد رابعة العدوية إلى منتصف الشهر الحالي، مبدلةً اسمها إلى جمعة الشرعية، في ظل الخشية من احتراب أهلي بعد تفشي النزعة المليشياوية التي يعززها تفكّك الدول المنهارة أصلاً.
في المقابل، أعلن اتحاد «شباب ماسبيرو» تنظيم مسيرة احتجاجية، ستخرج ظهر الجمعة المقبلة من دوران شبرا إلى مكتب النائب العام، احتجاجاً على الحكم الصادر أمس من محكمة جنايات القاهرة بالسجن المشدد 3 سنوات لكل من مايكل نجيب ومايكل مسعد، اللذين وُجِّه الاتهام إليهما بالاستيلاء على أسلحة القوات المسلحة في أحداث «ماسبيرو» التي اندلعت بين الجيش والمتظاهرين في عام 2011. وأضاف الاتحاد: «لن يلومنا أحد فى تدويل قضية أحداث ماسبيرو، طبقاً للقانون الدولي، بعد أن سُرق القضاء المصري، ليكون أداة في يد الإخوان الذين يدفعون البلاد إلى السقوط السريع».
في غضون ذلك، قال وزير المالية المصري، المرسي السيد حجازي، في تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني للوزارة أمس، إن الحكومة ستنتهي هذا الأسبوع من مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي وستوجه الدعوة قريباً لصندوق النقد الدولي لزيارة مصر. وقال إن مصر الآن «في انتظار انتهاء الحكومة من مراجعة البرنامج الإصلاحي الاقتصادي والاجتماعي في ضوء التطورات التي تشهدها مصر... وحزمة التعديلات الضريبية الأخيرة».