القاهرة | قلبت محكمة القضاء الإداري الطاولة على جماعة الإخوان المسلمين أمس بإصدارها قراراً بوقف الانتخابات البرلمانية بكافة مراحلها وإحالة القانون المنظم لها على المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريته لتعيد رقابتها عليه من جديد. الحكم الذي أكدت مصادر قضائية أنه غير قابل للإلغاء أتى بعدما تعمد مجلس الشورى، ومن خلفه الرئيس محمد مرسي، القفز على الرقابة المسبقة الممنوحة للمحكمة الدستورية في ما يتعلق بالنظر في مدى مطابقة التعديلات التي طلبتها قبل فترة على قانون الانتخابات للدستور، فضلاً عن مخالفة مرسي للدستور بطريقة إصدار القانون.
وأربك القرار حسابات الساسة في اللحظة الأخيرة، بعدما أوقف الانتخابات التي تعلق عليها الجماعة الحاكمة آمالها لإكمال هيمنتها على كافة سلطات البلاد التشريعية والتنفيذية إلى جانب القضائية. فالتيار الإسلامي كان يستعد لحصد أغلبية حاكمة في مجلس النواب من خلال تقديم أوراق مرشحي الأحزاب للانتخابات للجنة العليا للانتخابات السبت المقبل استعداداً للانتخابات المقررة في 22 نيسان المقبل. وهي اللجنة التي أكدت أمس أن الحكم واجب النفاذ، ويؤجل فتح باب الترشيح ما لم يطعن على الحكم من قبل مرسي.
إزاء هذه التطورات، بدت مؤسسة الرئاسة أمس مربكة طوال ساعات قبل أن تحسم في نهاية المطاف قرارها بعدم الطعن في قرار محكمة القضاء الإداري، بعدما أصدر مكتب مرسي بياناً أشار فيه إلى أن «رئاسة الجمهورية تؤكد احترامها الكامل لحكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر بوقف الانتخابات البرلمانية وإحالة قانون الانتخابات على المحكمة الدستورية العليا إعلاءً لقيمة دولة القانون والدستور وتحقيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات».
لكن سبق هذا القرار خروج تصريحين متناقضين على لسان المستشار القانوني للرئيس، محمد فؤاد جاد الله. الأخير أكد لصحيفة «الشروق» عقب النطق بالحكم مباشرة أن الحكم أنقذ مصر، مشيراً إلى أنّ من إيجابياته «أنه صدر مبكراً جداً، ما يستوجب معه الآن أن يبادر مجلس الشورى إلى إعادة عرض قانون الانتخابات الذي قضت المحكمة بإحالته على المحكمة الدستورية العليا».
جاد الله، الذي من المفترض أنه المسؤول الأول عن جميع القرارات القانونية التي يتخذها الرئيس، سرعان ما عدل عن تصريحاته لوكالة «رويترز»، أكد فيها أن رئاسة الجمهورية ستطعن في الحكم. وجاء كلام جاد الله لـ«رويترز» متأثراً أكثر بموقف جماعة الإخوان المسلمين. المستشار القانوني للإخوان، عبد المنعم عبد المقصود اعتبر لـ«الأخبار»، أن قرار الرئيس محمد مرسي بالدعوة إلى الانتخابات هو قرار سيادي من المفترض أنه لا يخضع لرقابة القضاء. وأوضح أن اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان تبحث الطعن فيه خلال الساعات المقبلة أمام المحكمة الإدارية العليا، وهو ما أكده القيادي الإخواني عصام العريان.
لكن الطعن لم يكن متوقعاً في كل الأحوال أن يؤدي إلى إبطال قرار المحكمة، وخصوصاً أنها اعتبرت أن الرئيس المصري انفرد بسلطة التشريع وخالف الدستور الجديد، الذي تنص المادة 141 منه على أن يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، وهو ما كان يُلزم الرئيس مرسي بعرض قانون انتخابات مجلس النواب على مجلس الوزراء قبل إصداره إلى جانب أن الرئيس خالف المادة 177 من الدستور. وتلزمه هذه المادة، حسب المحكمة، بإعادة قانون انتخابات مجلس النواب إلى المحكمة الدستورية العليا لتتأكد من إعمال ملاحظاتها على القانون قبل إقراره والدعوة إلى الانتخابات.
بدوره، قلل مصدر قضائي رفيع المستوى في المحكمة التي أصدرت الحكم من أهمية الطعن. وشدد لـ«الأخبار» على أن الحكم غير قابل للطعن عليه، موضحاً «أنه بحسب الأعراف القضائية والدستورية المستقر عليها في مصر لا يجوز لأي محكمة التصدي لأي دعوى قضائية معروضة على المحكمة الدستورية العليا». وأضاف القاضي الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن أي طعن في حكم المحكمة غير مجدٍ، ولن تستطيع أي جهة قضائية وقف الحكم.
وإن كان قرار المحكمة قد فجر غضباً إخوانياً، إلا أنه جاء متوافقاً مع القوى السياسية المعارضة، سواء الممثلة في جبهة الإنقاذ الوطني أو حزب النور، باعتبار الأخير المنافس الانتخابي الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين على الساحة حالياً. رئيس حزب النور، يونس مخيون، رأى أن الحكم أثبت صدق مخاوف الحزب من البطلان.
أما جبهة الإنقاذ، فجاء القرار لها بمثابة «هدية ليست من القضاء فحسب بل هي هدية من السماء»، على حدّ وصف رئيس حزب المؤتمر عمرو موسى الذي دعا «إلى انتهاز الهدية لمصلحة مصر واستقرارها».
بدوره، أثنى حزب الوفد على حكم المحكمة، معتبراً إياه أيضاً بمثابة هدية من السماء، فيما اكتفى البرادعي بالقول إن «الجهل والعبث بجوهر دولة القانون من سمات الدولة الفاشية».
ولعل من أبرز أسباب ارتياح جبهة الإنقاذ لقرار المحكمة، أن الجبهة تعاني من خلافات في داخلها بعد قرار مقاطعة الانتخابات في ظل رغبة بعض أطيافها في خوض المعركة. وتعتبر الجبهة أن تأجيل الانتخابات البرلمانية فرصة لإعادة الحسابات والأخذ في الاعتبار بمطالبها المتمثلة في إقالة الحكومة الحالية والنائب العام، فضلاً عن اعتماد قانون انتخابي متفق عليه واتخاذ إجراءات لضمان نزاهة الانتخابات والقصاص لضحايا ثورة «25 يناير». لذلك، فإن الحكم الذي أربك مؤسسة الرئاسة يعدّه البعض مخرجاً لجماعة الإخوان المسلمين من الأزمة الحالية دون تقديم تنازلات للمعارضة.
وبناءً عليه، فإنّ من السيناريوات المحتملة خلال الفترة المقبلة بعد التعديلات التي ستدخلها المحكمة الدستورية العليا على قانون مجلس النواب خلال المدة القانونية المقرره بـ45 يوماً، إمكان أن تراجع جبهة الإنقاذ موقفها من المشاركة في الانتخابات المقبلة، في ما لو أحسن مرسي استغلال الفرصة التي وفرها قرار المحكمة لضمان مشاركة الجميع في الانتخابات وإعادة بعض من الاستقرار المفقود للبلاد.