القاهرة | التوكيل، كلمة السر التي تسبق كل تغيير قد يحدث في البلاد. في بداية القرن الماضي جمع المصريون توكيلات باسم سعد زغلول باشا، وكانت ثورة 1919. وفي نهاية 2010 ظهرت نفس التوكيلات لمحمد البرادعي، القيادي في جبهة الإنقاذ الوطني حالياً، وكانت ثورة 25 يناير. والآن وبعد مرور قرابة عشرة أشهر من انتخاب أول رئيس بعد الثورة ظهرت التوكيلات من جديد، للفريق عبد الفتاح السياسي وزير الدفاع، أي أنها توجهت هذه المرة للمؤسسة العسكرية لإدارة البلاد من أجل التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين. إلى جانب توكيلات الجيش ظهرت على استحياء رغبات عدد من المواطنين في تحرير توكيلات لمحمد البرادعي رئيس حزب الدستور، وتوكيلات أخرى لخالد علي المرشح السابق لانتخابات الرئاسة وسط دعوات لانشاء مجلس رئاسي تسلم إليه السلطات.
مصلحة الشهر العقاري، احدى الادارات التابعة لوزارة العدل، هي المسؤولة عن توثيق تلك التوكيلات. في بداية انتشار الظاهرة، رفضت المصلحة توثيق التوكيلات، إلا أنه مع اصرار المواطنين عليها رضخت. وخرج مسؤول في وزارة العدل ليعلن أن الوزارة لا تمنع المواطنين من الاقدام على توثيق توكيلات للجيش لإدارة شؤون البلاد. وأوضح أن «عدد التوكيلات إلى الآن يزيد عن مئة بقليل، ولا يوجد مكتب زاد على 20 توكيلاً على مستوى مكاتب الجمهورية للمكتب الواحد». في المقابل، ذهب عدد من العاملين في حملات توكيل الجيش أو البرادعي أو علي للقول إن التوكيلات زاد عددها على 300 توكيل حتى الثلاثاء.
ويرى مراقبون للوضع العام في مصر أن التوكيلات ما هي إلا طريقة جديدة للتعبير عن الغضب الشعبي المتزايد ضد جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي. وبعيداً عن قانونية هذه التوكيلات من عدمها، فإن الغضب الشعبي المتزايد يتجه هذه المرة في الطريق الخطأ، من وجهة نظر النشطاء السياسيين، معتبرين أن من الواضح وجود جهة ما تقف وراء ظاهرة توكيل الجيش بإدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة.
وهو رأي يستمدونه من أن الثوار هم من كانوا في الميادين يهتفون بسقوط حكم العسكر، بعدما فشل في إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية التي اعقبت رحيل محمد حسني مبارك، عن الحكم في شباط 2011. وهو فشل انعكس في تكرار حوادث العنف في ظل حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من بينها الأحداث التي وقعت أمام مجلس الوزراء، وتم فيها تعرية الفتيات المتظاهرات من ملابسهن. وكذلك كشوف العذرية التي حدثت للفتيات في السجون الحربية، وحوادث القتل في شارع محمد محمود، وأحداث ميدان العباسية.
وكانت أفجع حوادث العنف حادثة ماسبيرو في تشرين الأول2011. يومها بدا وكأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة غارق وغير قادر على مطالب الثوار والثورة، وتفاقمت في ظل حكمه الأزمات الطائفية، وتكررت أكثر من حادثة بين مسلمين وأقباط كادت أن تدمر البلاد.
كل هذا الفشل في إدارة البلاد، تم نسيانه من قبل المواطنين الذين يهرولون لتوكيل الجيش للعودة مرة أخرى لإدارة البلاد، كرهاً في الإخوان وليس حباً وثقة في القوات المسلحة.
أصحاب هذا التوجه يرون أنه أصبح من الضروري أن ينهي الجيش فترة حكم الإخوان، وأن يقف في صف المعارضة في الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة يشرف هو عليها. هذا الفريق في الحقيقة لا يريد أن يحكم الجيش بقدر ما يكون ضامناً لأساسيات الدولة المصرية التي يرون أنها تنتهك من قبل الإخوان.
فريق آخر يعتبر أن القوات المسلحة ملك للشعب المصري رغم الأحداث الدموية، التي حدثت في ظل قياداتها للمرحلة الانتقالية. ويعتقدون أنها الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تواجه الإخوان في هذه المرحلة. لكن استدعاء الجيش من جديد أقلق جماعة الإخوان المسلمين، لدرجة دفعت مرشد الجماعة محمد بديع، إلى التصريح الأسبوع الماضي، بأن الجيش المصري أكثر مؤسسة رسمية منظمة في مصر، وجماعة الإخوان المسلمين أكبر مؤسسة شعبية منظمة في الشارع، مضيفاً أن الجماعة تحترم وتقدر المؤسسة العسكرية، وترفض أي محاولات للوقيعة بينهما.
موقف اتخذته الجماعة، في وقتٍ تخشى فيه، من أن تلك التوكيلات تشي بأن هناك أمراً قد يحدث خلال الفترة المقبلة، مع انفراط العقد من يد جماعة الإخوان، ولا سيما بعد الاحتجاجات التي نظمها أفراد وزارة الداخلية، الذراع الأمنية للنظام.