رغم رسائل الطمأنة التي يجدّدها قياديون في «الجيش السوري الحر»، تسندها تصريحات مماثلة من قبل المعارضة السياسية في الخارج، يبدو أنّ مخاوف الأقليات السورية، وخصوصاً غير المسنودة عسكرياً، تزداد مع اتساع حدة المواجهات، ودخولها مدنها وأحياءها. المسيحيون السوريون (يتجاوز عددهم مليوني نسمة) فضّلوا النأي بالنفس عن معارك النظام ومعارضيه. أعلنوا، مراراً، تخوفهم من أن تفرز «الثورة» حكماً إسلامياً متشدداً، أو ربما فوضى، غير معروفة النتائج، تسلبهم الأمان الذي نعموا به خلال عقود مضت.
في حلب، كبرى مدن الشمال، أجبرت الأوضاع الأمنية، التي لا تتحملها هذه الأقلية، حيث المواجهات العنيفة، عشرات الآلاف من المسيحيين على النزوح إلى مساحات بديلة، أكثر أمناً. ويتركز الوجود المسيحي، الحلبي، في أحياء السليمانية والعزيزية والجابرية والميدان والسريان. في موازاة ذلك، أعلنت «الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان»، اختطاف «مجموعة مسلحة» أخيراً، كاهنين على الطريق الدولي بين حلب ودمشق. تزامن ذلك مع تأكيد وكالة «فيدس» الفاتيكانية مقتل مسيحي من الجمعية الأرمنية الرسولية في حلب «على يد مجموعة إرهابية في غاية التطرف الديني».
وفيما تدّعي مصادر مسيحية أنّ أكثر من400 ألف مسيحي غادروا سوريا، نحو170 ألفاً من حمص وحدها، وقعت كنائس القرى المحيطة بجسر الشغور (إدلب)، ضحية الاشتباكات بين «الجيش الحر» والجيش النظامي. وإلى الشرق، يقول مواطنون أرمن، من مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، إنّ دخول كتائب «الحر» إلى المدينة، التابعة لمحافظة الرقة «سبب هجرة نحو 15 أسرة أرمنية، من أصل عشرين أسرة، كانت تقطن المدينة». ويوضح هؤلاء لـ«الأخبار»، أنّ من بقيَ منهم «يفكر في الرحيل أيضاً».
وفي تصريح سابق لـ«لأخبار»، أوضح فيصل بللو، أمير «جبهة النصرة» في تل أبيض، أنّ «لغير المسلمين، كالمسيحيين، حريتهم الشخصية في سوريا الإسلامية». ويؤكد مسؤولون في يريفان، وصول سبعة آلاف أرمني سوري إلى أرمينيا، منذ آذار 2011. وتفيد تقديرات بأنّ المجتمع المسيحي الأرمني في سوريا صغير نسبياً (بين 80 و100 ألف شخص)، نحو 80 بالمئة منهم يقطنون في محافظة حلب.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، يقول إنّ غالبية مسيحيي مدينة دير الزور غادروا مدينتهم، بعدما كان عددهم فيها يقارب أربعة آلاف مواطن. أما مدينة الحسكة وريفها، فتشهدان منذ أشهر، انتشاراً لحالات «اختطاف وابتزاز لأبناء عائلات مسيحية بهدف الحصول على المال». ففي 19 الجاري، قتل شاب مسيحي، على يد مجموعة مسلحة، فيما سلب صائغ مسيحي حقيبة تحوي مجوهرات. وسبق أن وجّه عدد من أساقفة المحافظة، نداءً إلى الفاتيكان من أجل «بقاء» نحو 25 ألف مسيحي في هذه المدينة. وتشير شهادات أوردها الأساقفة إلى وجود «عدد من الحواجز على الطرق تقيمها مجموعات مسلحة، وخصوصاً جبهة النصرة».
ساسة آشوريون طالبوا، أخيراً، الائتلاف الوطني السوري المعارض «بوضع حدّ للعناصر غير المنضبطة من الجيش الحر أو المحسوبين عليه»، حيث تعدى مقاتلو «النصرة»، على ممتلكاتهم في مناطق من الحسكة. وفي السياق، تقول مصادر لـ«الأخبار» في مدينة القامشلي، إنّ أكثر من 400 أسرة مسيحية، غادرت المدينة باتجاه أوروبا. كذلك لم يعد هناك، تقريباً، وجود للمسيحيين في مدينة سري كانيه (رأس العين)، عقب دخول الكتائب إليها. وفي هذه المدينة، اختطف قبل أيام عناصر إحدى الكتائب المسلحة في الحسكة شابين مسيحيين.
معارضون مسيحيون، يرون الصورة من زاوية أخرى، وينفون تعرض أبناء الديانة للقتل «بالرغم من إساءة بعضهم إلى الثورة». ويرى هؤلاء، أنّ المسيحيين الذين ما زالوا يؤيدون النظام «إما شبيحة أو مضللين من قبل الكنيسة». لكن هذا لا يعني عدم وجود آخرين «يعملون بنشاط ضد النظام». ويؤكد هؤلاء ما يقال عن حصول طوائف مسيحية في حلب على الأسلحة من النظام وتشكيلها ميليشيات خاصة بها لحماية الكنائس، لمنع عناصر «الحر» من دخول أحيائها. في المقابل، ينفي رجال دين مسيحيون، وجود مسلحين بين أبناء الديانة «المسالمة»، مشدّدين على أنهم ليسوا مع النظام، بل مع «الاستقرار».
وفيما يرى معارضون أن المسيحيين السوريين ليسوا ضيوفاً في البلد، ولا يحتاجون ضمانات من أحد، وما يضمنهم هو مشاركتهم في تغيير الواقع «مع رفض منطق الامتياز». ويرى يعقوب قريو، مدير مكتب هيئة التنسيق الوطنية السورية في بيروت، أنّ «استهداف المسيحيين في سوريا مرتبط بقضايا تاريخية وسياسية. وقد تكون الأحداث التي تحصل اليوم، لها الدور المباشر في عملية تسريع هجرة المسيحيين، التي لم تأت عبثاً».
ويقول قريو لـ«الأخبار»، إنّ المسيحيين «لا يريدون التعرض للمذابح من جديد. علماً أن الشعب السوري عموماً ليس دموياً»، لافتاً إلى أن ما يحصل الآن «قد تكون فيه يد خفية من أجل الاستمرار بعملية التغيير الديموغرافي، وإخراج المسيحيين من المنطقة، وقد يكون لها بعد آخر، هو دمج المسيحيين المشرقيين مع الغرب، وبذلك سيُنسى عبر الأجيال ما يسمى المسيحية المشرقية».
ويفيد تاريخ الشرق الأوسط الحديث، بأنّ المسيحيين أبرز ضحايا النزاعات السياسية والعسكرية التي مرت بها المنطقة. وفيما تستنجد المعارضة السورية بالمجتمع الدولي لتزويدها بالأسلحة النوعية، وسيلة لإسقاط النظام، يُصلي أبرز رجال الدين المسيحيين في المنطقة، أن يتوقف «تدفق الأسلحة إلى سوريا»، قائلين بضرورة أن يقدّم العالم الدعم لسوريا في الجهود المبذولة لتعزيز الحوار.
2 تعليق
التعليقات
-
------1------ «لا يريدون------1------ «لا يريدون التعرض للمذابح من جديد. علماً أن الشعب السوري عموماً ليس دموياً» في عام 1860 أو ما يقارب ارتكبت مذبحة بحق المسيحيين في دمشق راح ضحيتها الآلاف (بغض النظر من قام بها او لماذا بإمكانكم الاطلاع) ،إذ هذا ما يخاف منه المسيحيون في العراق قام الاحتلال بتهجير المسيحيين واغتيال رجال الدين عمدا ،وتدمير كنائسهم واستهدافها ،وتم تهجير نصف مليون مسيحي من العراق ،الى باقي دول العالم للأسف (وهذا رأيي)،أن معظم الشباب المسلمين يظنون : 1-الاسلام والمسيحية متاسامحان في سوريا ولم تشهد منذ "مئات السنين" اي حرب طائفية (وكما ذكر اخونا يوحنا الدمشقي:ذكر مثال ابو عبيدة بن الجراح) ،لكنه لم يذكر مجزرة ال(1860)! 2-مسيحيو سوريا منفصلون عن مسيحيي العراق عن مسحيي باقي الدول،لا ابدا ،هم يخافون ان يحدث لهم كما حدث في العراق وفلسطين من تهجير وقتل،في وقت الانفلات الامني وغياب سلطة الدولة.
-
مفهوم «هذا النظام أفضل للمسيحيين» هو مجرد خرافة ١/٢مَنِحْ الفضل في حماية المسيحيين في سورية للنظام الحالي هو هرطقة و ديماغوجية! التعايش المسيحي الإسلامي في سورية كان موجوداً لمئات السنين قبل قدوم نظام الأسد الأب. المسيحيون فتحوا أبواب دمشق لأبي عبيدة إبن الجراح في زمن الفتوحات الإسلامية. الكلام عن المخاطر بالنسبة للأقليات في سورية ما بعد الأسد هو كلام تضليلي و دعائي. المسيحيون السوريون تبوَّؤا العديد من المناصب الحكومية الرئيسية في أربعينيات و خمسينيات القرن الماضي (رئيس الوزراء، وزير الخارجية، الممثل إلى الأمم المتحدة … إلخ). تمثيل المسيحييون في الحياة العامة و المراكز المُهمة تحت الأسد الأب والإبن هو أقل مما كان عليه قَبلهم، كما أنه كان دوماً مشروطاً بِكَون الشخص فاسد و بالولاء الأعمى لسُلطة العائلة الأسدية و ليس لسورية. شعار «العلمانية» الذي يدّعيه نظام الأمر الواقع هو مُجرد خدعة سُلطوية تماماً كتَوئَمَيها «المُمانعة» و «القضية الفلسطينية». «العلمانية» كانت دوماً مجرد تمثيلية سخيفة لتغطية موضوع التمييز بين أبناء الوطن لمصلحة طائفة مُعيَّنة عبر سياسة مُمَنهجة لإيصال أبناء هذه الطائفة لجميع مَفاصِل الدولة توازياً مع جعل من رئاسة الوزراء موقع إداري إمضائي بحت ليس له أيَّ سُلطة فوق أمور الأمن أو الدفاع أو السياسة الداخلية أو الخارجية أو النفط و ما شابه. سأختصر إثبات الأمر هنا بسؤالين بسيطين، على سبيل المثال لا الحصر، حتى لا أكتب صفحات و صفحات عن هذا الموضوع: هل نِسبَة الضباط من الطائفة العلويَّة الكريمة من مجموع الضباط في الجيش تُوازي نسبة أبناء الطائفة العلويَّة الكريمة في المُجتمع السوري المُساوية ل ١٢-١٣٪ أم تفوقها بأضعاف مُضاعفة؟ هل نسبة العاملين من أخواننا من الطائفة العلويَّة الكريمة في الوظائف