القاهرة | في خلفية الجنازة الحاشدة، التي انطلقت لتشييع جثمان الطفل عمر صلاح، بائع البطاطا الذي قتل مطلع الشهر الماضي برصاص الجيش على مقربة من السفارة الأميركية المجاورة لميدان التحرير، كانت عربات بطاطا وترمس يجرها أقران صلاح تسير في صمت. الجنازة هتفت يومها بضرورة محاكمة القاتل، لكن الأمر ليس بهذه السهولة. ليس فقط لأن القاتل مجند محبوس في السجن الحربي انتظاراً لمحاكمة القضاء العسكري، وهي محكمة يتهمها النشطاء بالانحياز إلى أبناء المؤسسة العسكرية إن كان المجني عليه من المدنيين، بل لأن حادثة صلاح ليست الأولى ولن تكون الأخيرة تجاه الأطفال في مصر، وتحديداً أطفال الشوارع. وإن كان لا يمكن انكار ضلوع بعض أطفال الشوارع في الاشتباكات وأعمال العنف التي تندلع بين الحين والآخر، إلا أن تصويرهم على أنهم جزء رئيسي من الاشتباكات التي تشهدها القاهرة تحديداً ليس سوى مبرر من السلطات لتعزيز الانتهاكات في حقهم.
الائتلاف المصري لحقوق الطفل رصد مجموعة من الانتهاكات شبه اليومية لحقوق الأطفال، أولها العنف الممارس من قبل رجال الشرطة على الأطفال أثناء القبض عليهم وتوقيفهم، فضلاً عن احتجازهم مع بالغين وفي معسكرات الأمن المركزي. كذلك رصدت عمليات اختطاف الأطفال وحجزهم في أماكن غير معلومة دون عرضهم على النيابة وتعذيبهم من قبل رجال الشرطة أو الجنائيين المحتجزين.
أحمد مصيلحي، المحامي في الائتلاف المصري لحقوق الطفل، يرى أن السلطة منذ اندلاع الثورة تتعامل مع الأطفال بنفس العنف الذي تتعامل به مع الراشدين من المحتجين عليها. من وجهة نظره، الأطفال كالنساء مستهدفون من الدولة بصوره خاصة، ربما بسبب ما يعنيه وجودهم ضمن الاحتجاجات ووسط صفوف الثائرين من قوة معنوية مضاعفة.
وأوضح أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أثناء فترة حكمه للبلاد، كان مصراً على إلصاق كل حوادث العنف المتكررة إلى متهمين من أطفال الشوارع بدلاً من البحث عن الفاعل الحقيقي، ضارباً المثل باعتقال ٧٣ طفلاً في أحداث الاحتجاجات في المنطقة المحيطة في مجلس الوزراء في كانون الثاني من عام ٢٠١١ في محاولة لإلصاق بهم تهمة إحراق مبنى المجمع العلمي قبل أن يثبت كذب هذا الاتهام لاحقاً، بعدما قُيّدت الواقعة ضد مجهولين. ولفت إلى أن الأبحاث التي أجريت تكشف عن انضمام أطفال الشوارع إلى الثورة منذ أيامها الأولى للاحتماء بالميدان المحرر من وجود الشرطة التي تتبعهم وتحاول إلصاق الجرائم بهم، ثم للانتقام من الدولة التي يرون أنها هضمت حقهم في التعليم والحياة والمأوى، بخلاف تلك المشاعر التي يحملونها للثوار اللذين عاملوهم بإنسانية لا كمتسولين.
من جهتها، أوضحت دينا حسين، عضو المجلس القومي للمرأة، أنه فيما يتّبع النظام الحاكم سياسة الزج بمجموعات من العصابات المنظمة للتحرش بالنساء في ميادين الاحتجاجات لتشويه التظاهرات والإساءة إلى الأداء المتحضر للثوار، يتعقب أطفال الشوارع بصورة خاصة في محاولة لإلصاق جرائم الدولة ضد المحتجين بهم، على أمل أن يكسب صدقية لدى قطاعات من المجتمع قد تكون مستعدة لتصديق ارتكاب هؤلاء الاطفال لجرائم التخريب والقتل. وأوضحت أن الإعلام التابع للنظام يريد تصوير الأمر وكأن أطفال الشوارع يتحركون كعصابات منظمة من المشردين، مشيرةً إلى أن الدولة لا تنفك تواصل جرائمها ضد أطفال الشوارع. فبعدما حرمتهم حقوقهم الأساسية لا تتورع عن إلصاق ما جنته يديها بالأطفال.
أما الإسلاميون، فيبدو أنهم يصرون على اعتبار الطفل راشداً بدءاً من سن البلوغ، بغض النظر عما ينص عليه القانون من أن الطفل هو من لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر.
وقد انعكس هذا التوجه في مواد الدستور الجديد؛ إذ نص على أنه «يحظر تشغيل الطفل، قبل تجاوزه سنّ الإلزام التعليمي في أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره في التعليم». وهو نص واجه انتقادات واسعة من قبل نشطاء المجتمع المدني الذين طالبوا بضرورة أن يكفل الدستور الجديد حقوق الأطفال حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة.