القاهرة | بدأت الحركة الشعبية المصرية تأخذ منحىً بالغ الخطورة، حيث ظهرت تأويلات متناقضة لتفسير آليات «تطهير القضاء»، الذي كان يوم أمس شعار تظاهرتين متنافستين، ما بين ميدان التحرير، حيث تجمّع الرافضون لأخونة القضاء، وشارع رمسيس، حيث دار القضاء العالي؛ إذ اجتمع أنصار التيار الإسلامي والداعون إلى تطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين، وبقايا النظام السابق.
ويبدو أن اختيار مكانين منفصلين لكل تظاهرة لم يمنع حدوث احتجاج بين أنصار الرئيس المصري محمد مرسي، ومعارضين له، تطور إلى مواجهات عنيفة، حيث أُطلقت قنابل مسيلة للدموع من قبل متظاهرين لم يعرف الى اي طرف ينتمون اثناء هذه الاشتباكات. وسُمع دويّ طلقات من بنادق صيد، في ظل غياب لافت للشرطة.
وبدأت الاشتباكات عندما توجه متظاهرون من معارضي مرسي من ميدان التحرير في اتجاه شارع رمسيس المجاور، حيث يحتشد الآلاف من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، وأحرقوا حافلة تابعة للجماعة. وتبادل الطرفان التراشق بالحجارة وزجاجات المولوتوف، ما أدى إلى إصابة شخصين على الأقل، وفق وكالة «فرانس برس».
وكان الآلاف من التيار الإسلامي في مصر من أنصار جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب الأصالة والحضارة والبناء والتنمية، قد تجمّعوا أمام دار القضاء العالي في القاهرة، فيما يناقش مجلس الشورى، الذي يهيمن عليه الإسلاميون، مشروع قانون لخفض سن تقاعد القضاة من 70 عاماً إلى 60 عاماً.
وطالب المتظاهرون أمام دار القضاء بـ«إقالة وزير العدل أحمد مكي، وتشكيل محاكم ثورية لإعادة محاكمة رموز النظام السابق، المتهمين في قتل الثـوار، وتعديل قانون السلطة القضائية، وعمل لجنة جادة لاسترداد الأموال المنهوبة، وتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين المنتمين إلى رموز النظام السابق، ومحاكمة رئيس نادي القضاة أحمد الزند، والنائب العام السابق عبد المجيد محمود».
وحمل أنصار التيار الإسلامي لافتات عديدة مكتوباً عليها «الشعب يريد قوانين لحماية الثـورة» و«لا لقضاء مبارك» و«إذا الشعب يريد البقاء فلا بد من تطهير القضاء» و«أيها المرتزقة مافيش مرسي مافيش كرسي» و«القضاء يبرئ كل من يهين الرئيس ويحبس كل من يهين فنان أو فاسد».
في المقابل، حمل متظاهرو «التحرير» لافتات مناهضة للإخوان، وأعلنوا دعمهم للقضاة في مواجهة «مخطط الإخوان للسيطرة على المؤسسة القضائية». وهاجم خطيب الجمعة في الميدان، الشيخ محمد عبد الله نصر، الجماعة، ووصفهم بـ«الخونة والخوارج»، وقال: «الإخوان باعوا الثورة والثوار من أجل كرسي الحكم». وطالب بإقالة وزير العدل، و«تطهير القضاء من القضاة الموالين للإخوان».
ويفسر المراقب السياسي المصري حسين عبد الرازق، هذه الحالة بقوله «إن مصر تمر بمرحلة غير مسبوقة من الانقسام الداخلي الواضح بين تيار ديموقراطي مدني متمسك بالدولة المدنية الحديثة، ويناضل من أجل التغيير والقضاء على الاستبداد، وتيار يريد هدم الدولة المصرية المدنية الديموقراطية الحديثة، وتأسيس دولة دينية أو بمعنى أدق «دولة المرشد وجماعته»».
ويوضح عبد الرازق أن دولة الإخوان لا يمكن أن تُبنى إلا بتفكيك الدولة الحالية، وهو ما ينفذه ويسعى إليه حزب الحرية والعدالة (المنبثق من الإخوان)، بمحاولاته المختلفة الباطنة والظاهرة للهيمنة على الدولة وفك مفاصلها، من خلال الانقضاض على مؤسسات «الجيش والقضاء والشرطة» ومن ثم الخروج في مسيرات مؤيدة لمثل هذه القرارات.



قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمام لجنة في مجلس الشيوخ أول من أمس، إن الجيش المصري «تصرف في شكل مسؤول إلى حد كبير في هذه المأساة»، في إشارة إلى المواجهات التي شهدتها مصر منذ قيام الثورة في كانون الثاني عام 2011.
وأضاف كيري: «من دون الجيش، أعتقد أننا كنا شهدنا حرباً أهلية في مصر وكثيراً من الدماء».
لكن الوزير الأميركي أعرب مجدداً عن قلق واشنطن حيال «المنحى» الذي تسلكه مصر بقيادة الرئيس الإسلامي محمد مرسي، معتبراً أن الجنود المصريين يشكلون «الاستثمار الأفضل الذي حققته أميركا في المنطقة». وكرر متوجهاً إلى القيادة المصرية الجديدة أن «أي مساعدة إضافية ستكون مشروطة بوضوح بـ(إحراز) تقدم في عدد من الأمور».
(أ ف ب)