القاهرة | على مدى يومين متفرقين، أولهما الأحد الماضي وثانيهما أمس الأربعاء، نشطت ماكينة حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، ومؤسسة الرئاسة التي يجلس على عرشها محمد مرسي، الابن البار للجماعة، من أجل إطلاق تحركاتهما باتجاه الأحزاب الإسلامية. وحملت هذه التحركات في ظاهرها «التباحث في الشؤون السياسية والوضع الراهن لمصر»، لكن مضامينها كانت تنطق بالاستعداد ليوم 30 حزيران؛ ذكرى مرور عام على حكم مرسي، واليوم الذي وضعته حركات وأحزاب سياسية وثورية على جدول أعمالها كي يكون بداية لسقوط نظام مرسي والإخوان، حتى بات واقع الحال في مصر يقول «لا صوت يعلو فوق صوت 30 يونيو». أما هدف هذه التحركات فهو السعي لاحتواء الظهير الشعبي التقليدي «الإسلامي» للجماعة، المتفق معها على أرضية الهوية، وعلى احترام شرعية الرئيس مرسي. أول هذه اللقاءات كان مساء يوم الأحد الماضي في قصر الرئاسة، حيث دعت مؤسسة الرئاسة، وبصورة مفاجئة، الأحزاب والهيئات والحركات الإسلامية فقط للبحث في الأوضاع الراهنة، وهو ما لم يستجب له حزب «النور» السلفي حينها، ولم يخرج اللقاء بأي ثمرة أو توصية، إلى درجة أن اللقاء وُصف «بالمكلمة»، حيث استثمر الحاضرون اللقاء في طرح ما يشغل بال كل منهم وهمّه؛ فهناك من قدم مشروعاً متدرجاً لتطبيق الشريعة، ومنهم من تحدث عن المدّ الشيعي.وفي حين كان لقاء أمس أقوى وأوسع، إذ كان دعا إليه حزب «الحرية والعدالة» وضم كل الأحزاب الإسلامية من دون استثناء، من يمينها إلى يسارها، بما فيها من هي قيد التأسيس والبالغ عددها 14 حزباً، ليخرجوا ببيان دعوا فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكافة الأحزاب والتيارات والقوى المجتمعية والأزهر والكنيسة إلى حضور مؤتمر جماهيري السبت المقبل في قاعة المؤتمرات الكبرى في القاهرة، لإعلان مواقف موحدة خلف القيادة السياسية ضدّ المخاطر في قضية مياه النيل، مع الإقرار بأن كافة الخيارات مفتوحة لمصر للحفاظ على حقها في حصتها التاريخية في المياه.
كذلك دعوا في البيان الختامي «كافة الأطراف للحوار بشأن إصلاح كافة مؤسسات الدولة، على ألا يكون هناك تدخل في أعمال السلطة التشريعية إلا من خلال التشاور فقط». وشدّدوا على أهمية إنجاز قانون الانتخابات، داعين القوى السياسة الأخرى إلى «الاتفاق على ضمانات إجراء الانتخابات النيابية»، كي يكون هناك مجلس للنواب في أقرب وقت، وحكومة مدعومة من برلمان انتخبه الشعب»، هذا مع تبنّيهم ما سمّوه «الإجراءات المشروعة في التعبير عن الرأي». غير أنهم في الوقت نفسه أدانوا «أي انقلاب على الشرعية»، وطالبوا الأطراف الدولية بـ«وقف المجازر ضد الشعب السوري»،
وأعلنوا حرصهم على «التواصل مع كل الأطراف لتجاوز حالة الاستقطاب ومدّ الأيدي لكافة أطراف الوطن»، متطرقين إلى «ما يعانيه الشعب من أزمات في ملف الطاقة والوقود، وإعلان رغبتهم في وقف هذه المعاناة، مع السعي لإقرار وتطبيق قانون الحد الأدنى والأعلى للأجور».
أمور تكشف جميعها عن سعي جماعة الإخوان وحزبها والرئاسة لامتصاص غضب الشارع، وإلقاء الكرة في ملعب خصومهم، مع استثمار خشية الإسلاميين من فقدان شرعية الرئيس ذي الخلفية الإسلامية الذي يرون فيه حامياً لوجود معنوي في ظل حالة استقطاب «إسلامي ــ علماني» باتت تجمع مختلف الأطياف الإسلامية بعضها مع بعض، وكذلك العلمانية.
بدوره، رأى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، صلاح الدين حسن، في حديث إلى«الأخبار»، أن جماعة الإخوان والرئاسة يسعون إلى استدعاء الظهير الشعبي القادر على الحسم، ممثلاً في الحركات الإسلامية الأخرى، على الرغم من تراجع وتدهور علاقتها مع كثير منها، عبر محاولة احتوائها ومنحها شعوراً بأنها سندها ومعها.
ورأى حسن أنه «غالباً كل ما يطرح في هذه المناسبات يُنحّى جانباً، إذ لم يسبق أن اتُخذ قرار بناءً على مشورة. إضافة الى ذلك، هذه اللقاءات لها جانب معنوي لا جانب واقعي أو عملي»، مستدلاً في ذلك بأنه (الرئيس مرسي) «تجاهلهم عندما كان هناك تشكيل وزاري». وأضاف الخبير السياسي أن ثمة حالة تعبئة للتيار الإسلامي في مواجهة القوى الداعية إلى التمرد يوم 30 حزيران، «فهناك حالة قلق كبير من هذا اليوم. ومعظم السيناريوات مفزعة جداً. وهناك سيناريو واحد يتضمن عدم وقوع صدامات، لكنه سيناريو ضعيف، وأثبتت خبرة الأشهر الماضية فشله. كذلك يوجد تخوف كبير ليس من تصاعد الأحداث في اليوم الموعود فقط، بل من استمراريته في الأيام التالية له». ولفت الى أنه رغم البيان الذي تحدث عن دعوة الأحزاب الأخرى إلى الحوار والتوافق في مواجهة الاستقطاب، فإن «المهيمن الخفي على اللقاء، حتى لو تتطرق إلى أمور حاول المجتمعون أن يصدروها لإشعار الناس بالطمأنينة، فهو بحث كيفية تجنب تصاعد الأحداث». في غضون ذلك، أحالت نيابة جنوب القاهرة، أمس، 12 من النشطاء السياسيين، أبرزهم علاء عبد الفتاح وأحمد دومة ونوارة نجم وكريم الشاعر، على محكمة الجنايات على خلفية أحداث عنف مكتب الإرشاد، في جمعة «الكرامة»، موجّهةً إليهم تهماً تتعلق بالتعدّي على مواطنين وأفراد شرطة وإتلاف ممتلكات عامة وإثارة الرعب. وقد سلّم عبد الفتاح نفسه للنيابة ولم يظهر موقف الآخرين.