جنيف | يوم طويل لفلسطين يخصّصه، اليوم، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ضمن البند السابع لجدول أعماله، والذي لا يزال «شوكة في عين» إسرائيل وحلفائها، كونه البند الوحيد الذي يناقش الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة أثناء الدورات الثلاث التي يعقدها المجلس سنوياً. ومن المتوقع أن تتحول الجلسة، التي يُناقش خلالها تقرير مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ريتشارد فولك، الى جلسة للدفاع عن نفسه، هو الذي يتعرض لحملة غير مسبوقة تشنها المنظمات الممولة من الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدمها منظمة «مراقبة الأمم المتحدة» UN Watch، التي خصصت حملة واسعة لتشويه سمعة فولك. وهذه الحملة لم تشمل فقط تقريره السنوي حول فلسطين، بل شملت أيضاً جميع الأنشطة والندوات التي يُدعى إليها في الجامعات ومعاهد الأبحاث حول العالم. وقد وصلت الى درجة أرغمته على الإشارة إليها في تقريره، حيث تضمن شرحاً مفصلاً لأبعاد هذه الحملة وخطورتها، وطالب بالتحقيق الجدي من قبل دائرة المنظمات غير الحكومية في الأمم المتحدة، حول أهداف ودوافع منظمة «UN Watch»، ملمّحاً الى ضرورة طردها من الأمم المتحدة أو إجبارها على تغيير اسمها كونه مضللاً ولا يعكس على الإطلاق طبيعة عملها. كما أوصى المفوضة السامية لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، بالبحث في آلية جديدة لحماية ودعم المقررين الخاصين، الذين يتعرضون لهذا النوع من حملات التشهير.
واستبق فولك جلسة مناقشة تقريره ببيان هجومي على المنظمات الداعمة لإسرائيل، معتبراً أن «من العار أن تستمر مجموعة من منظمات الضغط (اللوبي) في عملها الذي ليس له سوى غرض وحيد وهو صرف انتباه العالم عن سجل حقوق الإنسان غير المقبول لإسرائيل». وأضاف منتقداً تلك المنظمات: «مهما استمرت حملات تلك الجهات لتشويه سمعة من يقومون بتوثيق وتسجيل الانتهاكات الإسرائيلية، فإن ذلك لن يغير الحقائق على الأرض بعد 46 عاماً من الحرب التى شنتها إسرائيل وبدأت بها احتلالها لفلسطين».
وعلى عكس تقارير زملائه التي يتم الترويج لها بشكل واسع النطاق، وتُرجم الى عدة لغات في توقيت واحد، يجري التعاطي مع تقرير فولك من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان بفتور ملحوظ.
ويدعو فولك في تقريره الذي نُشر قبل أيام إلى ممارسة مزيد من الضغوط على الأمم المتحدة من المجتمع الدولي، للتأثير على سلوك إسرائيل «الميداني» حيال تعاملها مع الفلسطينيين، واصفاً «خروقات إسرائيل بالممنهجة» تجاه الفلسطينيين.
ويشير الى أن «إسرائيل حتى اليوم لا تعترف بحقوق الفلسطينيين في حق تقرير المصير». ويخلص في تقريره إلى استمرار تسجيل الانتهاكات على مستوى التوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وعلى مستوى الاعتقالات التعسفية ومعاملة المعتقلين في السجون الإسرائيلية، داعياً سلطات الاحتلال الإسرائيلية الى الإفراج فوراً عن المعتقلين الفلسطينيين، وخصوصاً المرضى منهم، محملاً إياها مسؤولية تدهور وضعهم الصحي. وهو ما أكدت عليه رانية ماضي، مندوبة «بديل»، المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين في جنيف، شارحةً معاناة الأسرى الفلسطينيين الذين يحرمون من حقهم في الحصول على رعاية طبية وزيارات منتظمة من عائلاتهم.
وعلى مستوى الأرقام، أشار فولك إلى أنه منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي قبل 64 عاماً، فإن دولة الاحتلال اعتقلت ما يقارب 750 ألف فلسطيني، أي ما يعادل حوالى 20 في المئة من مجمل عدد السكان الفلسطينيين. وأضاف إنه في نهاية شهر أيار الماضي، كان هناك 4979 معتقلاً، من بينهم 236 طفلاً في السجون الإسرائيلية.
وكعادتها كل عام، منعت إسرائيل المقرر الخاص وفريق عمله من دخول الأراضي المحتلة، لكنه استطاع دخول غزة عن طريق معبر رفح. وقال فولك، «إن المجتمع الدولي أخفق في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهناك شعور عام لدى اللاجئين الفلسطينيين في دول اللجوء بأن النزاع قد طال».
وفي السياق، حمّل فولك إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أوضاع قطاع غزة الذي لا يزال يصنف على أنه تحت الاحتلال بموجب اتفاقيات جنيف. وأضاف إن سلطات الاحتلال تصرّ على سياستها للعقاب الجماعي من خلال حصار أكثر من مليون وسبعمئة ألف فلسطيني في قطاع غزة، في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل أيضاً بسياستها للإفلات من العقاب وترفض نداءات العالم باحترام القانون الدولي. وأشار إلى أنه ومن واقع سجل السكان الإسرائيليين، فإن حوالى 650 ألفاً منهم كانوا قد استوطنوا في الأراضي الفلسطينية بحلول نهاية عام 2012 الماضي، في الوقت الذي اتخذت فيه الحكومة الإسرائيلية خطوة أخرى نحو بناء المزيد من المستوطنات (3000 وحدة سكنية) والتي أذن بها رئيس الوزراء بنيامن نتنياهو كنوع من الضريبة الكلامية لمفاوضات السلام.
وقال فولك إن الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري قد شهدت هدم 204 منازل فلسطينية، بينما جرى توثيق 146 حادثة من حوادث العنف التى يقوم بها المستوطنون ضد الفلسطينيين والتي تحصل كل يوم، وذلك خلال شهر نيسان وحده.
إضافة إلى كل تلك الانتهاكات الإسرائيلية، لفت فولك الى أن إسرائيل قامت بمصادرة المياه والأراضي الفلسطينية بعدما استولت على 60 ألف متر مربع إضافي من الأراضي قرب نابلس. كما طالب بإيقاف العمل فوراً بإنشاء طريق «بيغن» السريع بالقرب من مستوطنة بيت صفافا في القدس الشرقية المحتلة. وحذر من أن إقامة هذا الطريق غير القانوني ستؤدي الى تقطع سبل عيش أكثر من 9300 من السكان الفلسطينيين.
وفي ختام تقريره، يوصي فولك بضرورة تقيد إسرائيل باتفاقية أوسلو، التي تعطي لسكان قطاع غزة حق الاستفاده من المياه الإقليمية، داعياً الى رفع فوري للحصار عن القطاع. كما أوصى مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تحقيق دولية مهمتها التحقيق في الانتهاكات، التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال.