تستمر معارك عفرين، فيما تشير الوقائع إلى تقدم عسكري ملحوظ للأكراد المتمسكين بنهج الدفاع، بينما يواصل مسلحو المعارضة استخدام أوراق ضغطهم المعتادة، كحصار المنطقة وخطف المدنيين.
وبعد مواجهات عنيفة دامت نحو أسبوعين، بين كتائب إسلامية تقاتل في ريف حلب، وبين وحدات الحماية الكردية (YPG) في قرى عفرين، أعلن الأكراد سيطرتهم على قرى جديدة كان يتحصن فيها مسلحو هذه الكتائب. وبسط الأكراد سيطرتهم على قريتي «باصله» التابعة لناحية «شيراوا»، وكذلك «باشمرة» المتاخمة لبلدة «عندان»، فجر الجمعة الفائت، بعد اشتباكات عنيفة دامت يومين، سجلت فيها خسائر بشرية في صفوف المسلحين. ونشرت الوحدات الكردية المزيد من حواجزها في المنطقة.
وفيما تستعد قوات النظام لفتح جبهة واسعة في ريف حلب الشمالي، تستمر الاشتباكات بين «الكتائب» والأكراد في قريتي «زيارة» و«بينه». وتشارك في المواجهات نحو 15 كتيبة إسلامية، يقودها «لواء التوحيد»، المدعوم من الإخوان المسلمين، وتساندهم في الهجوم على عفرين مجموعة مسلحة كردية، مدعومة من أنقرة، تطلق على نفسها اسم «كوملا»، وتتهم وحدات الحماية (YPG) بـ«التعامل مع النظام ضد الثورة».
وهناك شبه إجماع في الشارع الكردي على نبذ هذه المجموعة التي يقولون إنها «لا تمثل الأكراد». ويصف مثقفون أكراد مقاتليها بمجموعة «جحوش»، وهو لقب أطلق على أكراد قاتلوا إلى جانب قوات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ضد «البشمركة»، فيما يشبههم آخرون بـ«حراس القرى» الأكراد المجندين من قبل الجيش التركي لمحاربة حزب العمال الكردستاني.
إلى ذلك، اعتقلت «الوحدات الكردية» نحو 12عضواً في حزب «آزادي» الكردي. وبحسب مسؤولي الحزب، فإن أعضاءهم اعتقلوا في قريتي «باسوطة» و«خدريه» التابعتين لعفرين. ويبرر مسؤولو (YPG) الاعتقال بأن هؤلاء متهمون بالتعاون مع الكتائب المسلحة التي تهاجم عفرين. جاء ذلك بعد إفراج الوحدات الكردية عن ثلاثة من قادة كتائب كردية في القامشلي والحسكة وكوباني. واللافت أنّ القادة الثلاثة أعلنوا حلّ كتائبهم فور الإفراج عنهم.
في هذه الأثناء، شهدت بلدة «تلعران»، ذات الغالبية الكردية، في ريف حلب، حالة توتر بين مجموعة إسلامية متشددة تابعة لـ«جبهة النصرة»، وبين «لواء جبهة الأكراد» المقرب من الوحدات الكردية (YPG). وتشهد هذه القوة العسكرية الكردية، توسعاً لافتاً، إذ أنشأت أخيراً أول «فوج» في مدينة الرقة، فيما أعلنت إنشاء أول كتيبة لها في مدينة جرابلس في ريف حلب الشرقي. وسبق أن أبدى «لواء جبهة الأكراد»، الذي يقاتل إلى جانب الجيش الحر ضد الجيش السوري، استنكاره مهاجمة «الكتائب» المسلحة قرى عفرين.
ونقلت مواقع كردية عن رئيس المجلس العسكري للجيش الحر، العميد مصطفى الشيخ، اتهامه (YPG) بـ«تأجيج الصراع مع الجيش الحر، وجرّه إلى معارك جانبية نحن في غنى عنها». جاء حديث الشيخ بعد إعلانه التوسط لحل التوتر بين الكتائب والأكراد، فيما قالت الوحدات الكردية في بيان: «نحن لم نبدأ بأي هجوم، وإنما ندافع عن قرانا ومناطقنا فقط، وعندما تدخلت بعض الشخصيات الوطنية من أمثال مصطفى الشيخ وغيره لوقف الاقتتال رحّبنا بالمبادرة».
وبالرغم من أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تهاجم فيها «الكتائب» قرى عفرين، يبدو أن وحدات (YPG) متمسكة بنهج الدفاع المُتبع منذ بدء الاحتجاجات، لكن هذا لا يعني بالضرورة استمرارها كذلك. وبالعودة إلى تصريحات رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، صالح مسلم، في نهاية العام الفائت، يلاحظ تأكيده بثقة أن بمقدور قواته «الذهاب حتى مدينة حريتان»، الواقعة تحت سيطرة المسلحين المعارضين في ريف حلب «أو أي أماكن أخرى». وأضاف حينها: «بمقدورنا أن نذهب إليها لو شئنا، وبوسعنا أن نسد الطرق عليهم، لكننا لا نريد ذلك».
في السياق، يفرض المسلحون حصاراً «خانقاً» على منطقة عفرين. وبحسب مؤسسات إغاثية وحقوقية، فإن «مواد الطحين ومعظم مستلزمات المعيشة» بدأت بالنفاد. وعلى ما يقول نشطاء أكراد، فإن «المدينة تواجه أزمة إنسانية خطيرة». وتستغل الكتائب التي تستمر في خطف المدنيين، جغرافية عفرين المحصورة في الزاوية الشمالية الغربية لسوريا. وتستقبل المنطقة حالياً أكثر من نصف مليون نازح ممن فروا من المعارك في الأحياء الكردية في مدينة حلب، كذلك تحتضن عشرات الآلاف من النازحين القادمين إليها من ريف حلب، لا سيما أعزاز ودارة عزة والقرى المحيطة بهما.
وقد دفع سلوك المسلحين رسام الكاريكاتور المشهور علي فرزات إلى أن يكتب على صفحته تعليقاً ساخراً يقول فيه: «الله أكبر.. رداً على سقوط القصير: الجيش الحر يتصدى لرتل متوجه إلى عفرين مؤلف من سوزوكي محمل بالبندورة». وأجرى نشطاء سوريون حملة إلكترونية لفك الحصار عن عفرين، وفيما بقي «الائتلاف» المعارض صامتاً، كما جرت العادة، أكدت «هيئة التنسيق الوطنية» المعارضة، في بيان صحافي، أن هجوم المجموعات المسلحة على قرى عفرين «غير مبرر»، مشيرةً إلى أنّه لا يوجد في عفرين «أي تعبيرات أمنية أو سياسية للنظام وتدار من قبل سكانها ذاتياً، وهي مناطق آمنة يلجأ إليها الكثير من السوريين هرباً من المناطق الساخنة».