لعل أخطاء الإخوان الأساسية كانت نابعة من تركيبة الجماعة وبنيتها وتشكيل هيئتها، فضلاً عن إرث تاريخي تحمله بسلبياته وإيجابياته، أكثر من كونها راغبة في ارتكاب هذه الأخطاء التي كان بعضها كارثياً، ويهدد وجود الجماعة نفسها على المستوى المعنوي والاجتماعي قبل المادي.
الإخوان في تركيبتها بالأساس إصلاحية، وليست ثورية، وهذا الأمر بطبيعة الحال يركن في أغلب الأوقات إلى أفكار التحالفات والحلول الوسط والتلويح بالتصعيد من دون القدرة على تنفيذه بشكل مباشر، مع اللجوء إلى المكاسب التكتيكية على حساب المكاسب الاستراتيجية، وبالتالي عدم تقبّل أفكار تحمل حلولاً جذرية سريعة ناجزة. وهو ما ظهر بوضوح في سلوكها مع الشباب، حيث أخطأت حينما لم تستطع احتواءهم أو تفهّم رغباتهم ودوافعهم، ما أدى إلى ابتعادهم عنها والتحول إلى معاداتها.
هذه التركيبة الإصلاحية الراغبة في التفاوض والساعية للحلول الوسط، أظهرت براغماتية في تفكير الجماعة، أحياناً يكون أخلاقياً وأحياناً أخرى انتهازياً يسعى الى أساليب المناورة قبل المصارحة، وهو ما جعل منها داخل البيئة الثورية، التي شهدتها مصر بعد 25 كانون الثاني 2011 ، خصماً لقطاع عريض من الشباب المتحمس، وجعلها في موضع غير الأمين على الأهداف الثورية، حتى بافتراض حسن النيات لديها، وهو ما جعل الجماعة طرفاً مناسباً للمجلس العسكري، الذي يقود بدوره مؤسسة غير ثورية، وتركن إلى التفاوض، والمساومة، وتحظى بشعبية كبيرة في الشارع.
هذه البراغماتية صاحبتها تركيبة عقائدية إيديولوجية، جعلت الصف الداخلي للجماعة متماسكاً بشكل كبير، يتحرك وفق رؤى عقائدية تصورها النهائي أن كل ما يجري يصب في داخل المشروع الإسلامي، وفي مصلحة الدولة، وأن الأخطاء المرتكبة من قبل الجماعة هي قدرية، لكنها لا تؤثر في سير المشروع.
وهذه الرؤية دفعت الجماعة إلى تقديم مبدأ الولاء والثقة على مبدأ الكفاءة والجدارة في تصعيد كوادرها واختيار مرشحيها للمناصب والمسؤوليات على المستويين الداخلي والخارجي، بما انعكس بعد ذلك في نظرتها إلى تقييم حالة المجتمع الذي تغير نمط تفكيره أو رؤيته للأوضاع عند الحد الأدنى بعد الثورة. ومن ثم ظل الإخوان يظنون أنهم الأقوى أو الأفضل، إلى درجة من الانغلاق، ساهمت في تزايد حالة الاستعلاء بالإيمان، والاستعلاء بالجماعة، إضافة الى الاحتفاظ بكثير من سرّية العمل والتعامل بعقلية المعارضة وعدم التخلص من عقدة المظلومية التاريخية، ففوّتت عليها فرص شراكة حقيقية واندماج في المجتمع بشكل أوسع أو أفضل يتناسب مع حجم التغيرات الطارئة على المجتمع وآليات إدارة التعامل معه.
انعكس ذلك كله في جملة من بعض القرارات والتوجهات في الواقع العملي بلورت وساهمت في تقديم أوراق كثيرة استخدمها خصومها، والمتربصون بها ، فضلاً عن انفضاض رجل الشارع والشباب عنها، كان من أبرزها عدم الوقوف الى جانب الشباب في ملف عودة حق الشهداء، إضافة الى اللجوء إلى خطاب «الهوية» بشكل سريع كأداة لمواجهة الخصوم، الأمر الذي دفع كثيرين إلى رؤية الإخوان كجماعة تسعى لتصفية خصومها معنوياً، حتى من أبنائها السابقين، كما حدث مع المحامي مختار نوح في انتخابات نقابة المحامين، وعبد المنعم أبو الفتوح في انتخابات الرئاسة.
خطأ مميت آخر ارتكبته الجماعة يتمثل في الإفراط في الشعارات البراقة والوعود الكبيرة في الحجم، الأمر الذي رفع من سقف التوقعات عند كثيرين، خاصة مع الترويج لما سمّي خطة المئة يوم وبرنامج النهضة، ومن بعدها وعود ما عُرف باجتماعات «فيرمونت».
ويرى مراقبون أنّ خطأ حكم الإخوان كان أيضاً في عدم الانتباه إلى أنّ «وجود رئيس إخواني على رأس الدولة المصرية في الوقت الحالي وعقب ثورة لها خصوم أشداء من فلول الدولة العميقة، يمثل عبئاً على الدولة المصرية وعبئاً أكبر على الجماعة، وتجاهل أن أفضل وضع للإخوان هو أن يكونوا جماعة ضغط لهم نواب في مجلس الشعب، ومشاركين ببعض الوزراء في الحكومة». وما زاد الطين بلّة، كان اختيار مرشح للرئاسة يعدّ «جندياً» في الجماعة، حيث لم يأت ترشيحه بناءً على الكفاءة بقدر ما كان مبنياً على الولاء للإخوان.
خطأ آخر تمثل في عدم الوضوح في الرؤية؛ فتارة تدخل الجماعة في تحالف مع قوى مدنية وبعضها علماني وتخسر الحلفاء من المعسكر الإسلامي المكوّن لمرجعيتها، وتارة أخرى تتقارب مع تيارات إسلامية كانت تتباعد عنها قديماً وتصنفها في المعسكر صاحب الرؤى الإسلامية الصارمة، وهو ما ظهر في انتخابات مجلس الشعب والاستفتاءات، والتعامل مع كمال الجنزوري رئيس الوزراء وحكومته. هذا إضافة الى عدم الالتزام ببعض نتائج حوارات الرئاسة التي كان أبرزها رفض مجلس الشورى ذي الأغلبية الإخوانية لتوصيات حوار الرئاسة مع القوى السياسية بشأن قانون الانتخابات، بدعوى أنها جاءت من أطراف غير منتخبة.
الأمر الآخر هو عدم تقدير قوة الإعلام بشكل كبير، وعدم التعامل معه بجدية، ما سهل تشكيل صورة ذهنية عنهم بواسطته لم يستطيعوا مواجهتها، ولم تكن لهم استراتيجية في احتوائه. إضافة الى كل تلك الأخطاء، لم تقدم الجماعة على أيّ خطوة من شأنها طمأنة كثير من القوى السياسية وضمها إلى صفها، فكان التعامل بمنطق الدولة المستقرة مع دولة نصف ثائرة ونصف عميقة خطأً استراتيجياً كبيراً، جعل الجماعة تقف بمفردها، مهددة في تاريخها الطويل قبل أن تكون مهددة في حاضرها الحالي ومستقبلها القادم.