غزّة - بعد زهاء عامين ونصف العام من موجة «الربيع العربي»، التي انطلقت من تونس لتضرب جل بلدان الوطن العربي، وتنتهي بصعود الإسلام السياسي في معظم أقطاره، بدأت الموجة الثورية الثانية، وانطلقت الشرارة من مصر هذه المرة؛ فبعد حركات «التمرد» في تونس والمغرب محاكاةً لحركة «تمرد» المصرية، أطلق شباب غزّيون حملة مماثلة ضد حكم «حماس» في القطاع، أطلقوا عليها اسم «تمرّد على الظلم والانقسام في غزة»، وحدّدوا أهدافهم «بإنهاء الانقسام، وإسقاط حكومة حماس في غزة، وتشكيل حكومة تسيير أعمال واحدة في الضفة والقطاع».
هذه الحملة سبقتها حملة وطنية أخرى أطلقها نشطاء فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي، حملت شعار «يا فلسطيني تمرّد»، داعين إلى إسقاط السلطة الفلسطينية والانقسام، والتحرك الشعبي ضد الاحتلال، وضد من يطبع معه ويساوم على ثوابته. الفكرة نشأت بالتزامن مع مع ظهور حركة «تمرد» المصرية، لكنها لاحقاً حوّلت شعارها من «تمرد» إلى «قاوم»، بعدما تبيّن ما آلت إليه الأمور في مصر، واتّضحت لديها «النتائج العكسية» من دعوات التمرد هناك. وإن كانت الحملة الأولى تستهدف السلطة الفلسطينية بشكل غير مباشر، عبر دعوتها إلى إسقاط نهج أوسلو، والمواجهة المباشرة مع الاحتلال، فإن الحملة الثانية تعلن ثورتها على حكم «حماس» في غزة بلا مواربة.
القائمون على حملة «تمرّد» في غزة حدّدوا يوم الحادي عشر من تشرين الثاني القادم موعداً نهائياً لخروج الجماهير في غزة بغيه إسقاط حكم «حماس»، إذا لم ترضخ الأخيرة «لدعوات المصالحة»، من خلال الموافقة على خوض انتخابات تمهيداً لذلك. في المقابل، يقول المعارضون للحملة، إن القائمين عليها اختاروا موعداً متأخراً ليتسنى لهم حشد الجماهير خلال هذين الشهرين، عبر ضخ أكبر كمية من «المواد التحريضية» ضد «حماس» في وسائل الإعلام، ثم اختاروا ذلك التاريخ تحديداً لكونه يتوافق مع ذكرى وفاة ياسر عرفات، التي تمثّل خصوصيّة لدى قطاع واسع من الشعب الفلسطيني. ينفي المتمردون على حكم «حماس» أن تكون حملتهم محاولة لاستنساخ التجربة المصرية في غزة، أو أن تكون لهم علاقة بالمخابرات المصرية، أو السلطة الفلسطينية في الضفة، كما يتهمهم البعض. لكن في المقابل، تعج صفحة الحملة على «الفايسبوك» بصور الاحتفاء بقائد القوات المسلحة المصرية، عبد الفتاح السيسي، وبالأخبار المتواترة عن القبض على فلسطينيين في سيناء للاشتباه بنيتهم شن هجمات على الجيش المصري هناك، يعقبها «تبرؤ» مما يصفونه «الأعمال الإرهابية التي تقوم بها حماس في مصر». في الجانب الآخر، ثمة اهتمام إعلامي ورسمي متصاعد في مصر تجاه الحملة، وصل الأمر حدّ تصريح مسؤول مصري رفيع لوكالة «معا» الفلسطينية بأن «حماس خسرت شعبها بسبب ممارساتها الظالمة والقمعية وباتت تختلق ذرائع كاذبة لتبرر فشلها ولتحاول ان تحمي نفسها من غضب الشعب الفلسطيني».
أما بالنسبة للتصريحات القادمة من حكومة رام الله، المتهمة بتوجيه الحملة، فتكاد تكون معدومة، لكن القيادي المفصول من «فتح»، محمد دحلان، والغائب عن الساحة منذ فترة، وجد في هذه الحملة فرصة مؤاتية لاعتلاء المشهد. فبعد تصريحات هنية التي حذر فيها من دعوات التمرد تلك، قائلاً: «هذه اللغة يجب ألا تستخدم في ما بيننا، لا تذهبوا إلى هذا الطريق، لا تذهبوا نحو هذا الاتجاه الخطر، هذا اتجاه له نتائج صعبة على وحدتنا، العاقل من يتعظ بنفسه وغيره»، داعياً إلى توسيع المشاركة في حكم غزة من خلال مشاركة الفصائل الفلسطينية. رد دحلان من جانبه بالقول: إن خطاب هنية «يشير إلى حالة من تغيير في اللغه، وتمسك في جوهر الانقلاب ودعوة القوى الاخرى إلى تحمل أوزار أخطاء حماس وتحالفاتها». واتهم الحركة بأنها تسعى إلى «تكريس مفهوم الهيمنة واحتكار السلطة وممارسة الإقصاء السياسي والعنف المنظم؛ ذلك في إطار خدمة مشروع يعتقدون بأنه أكبر من المشروع الوطني الفلسطيني؛ مشروع الإخوان المسلمين على امتداد الوطن العربي».
من جانبها، قالت وزارة الداخلية في الحكومة المقالة في غزة إن أحد المسؤولَيْن عن صفحة الحملة على «فايسبوك» اعترف بالتخابر مع الاحتلال، بعد إلقاء القبض عليه أخيراً، أما الثاني، فهو فلسطيني مقيم في محافظة نابلس بالضفة، في حين لفت القيادي في حماس، يحيى موسى، إلى وجود جهات خارجية شريكة في الحملة، مثل جهاز أمن الدولة المصري والمخابرات العامة. في المقابل، ينفي القائمون على الحملة تلك الاتهامات، ويعتبرونها نوعاً من «الحرب النفسية» التي تمارسها داخلية غزة ضدهم.
ويقول مسؤول حركة «تمرد» في فلسطين، عبد الرحمن أبو جامع، لـ«الأخبار»: «إننا في حركة تمرد لا نتبع إلى أي فصيل أو تنظيم، نحن خرجنا لنوجه رسالة للجميع؛ أن غزة تعيش حالة من الاستبداد التي تمارسها حركة حماس؛ هناك ظلم وهناك محسوبيات تمارس من الحكومة، نادينا باسم الوحدة كثيراً، لكننا لم نجد أي فائدة، لذلك قررنا أن نخرج بقوة ضد من لا يريدون المصالحة، ويريدون الانقسام أن يستمر».
ورداً على اتهامات الداخلية بتخابر بعض نشطاء الحملة مع الاحتلال، تساءل أبو جامع: «كيف لحركة وطنية بامتياز أن تتخابر مع الاحتلال»، وأضاف: «أنا وغيري كثير من شباب الحملة أبناء شهداء سقطوا في انقلاب حماس عام 2007». لكن حالة الانقسام التي تدعو الحملة إلى إنهائها تشترك فيها «فتح» و«حماس» على حد سواء، ذلك يستدعي السؤال عن عدم وجود حراك مماثل للحملة في الضفة، يجيب أبو جامع على ذلك بالقول: «حكومة السلطة في الضفة لم ترتكب جرائم مثل تلك التي ارتكبتها حركة حماس في غزة؛ هنالك بعض التجاوزات في الضفة، لكنها ليست بالقدر الموجود في غزة، لذلك فنحن نتمرد في غزة، وإن رأينا الظلم والفساد في الضفة، فسنرفع صوتنا عالياً ونرفضه».
لكن ماذا عن موقف الحركة من قضية الصراع مع الاحتلال؟ السؤال ينسحب على الموقف من المفاوضات والمقاومة المسلحة، يقول أبو جامع: «ما دام هناك احتلال إسرائيلي فلن نكون أذناباً له، إذا كان خيار المفاوضات عليه إجماع فلسطيني فنحن معه، ولكن إن كان نابعاً من أشخاص فلن نسمح بأن يسري على الشعب، لكن أنا أعتقد أن خيار المفاوضات تتجاوز نسبة التأييد له أكثر من ستين بالمئة من الشعب الفلسطيني، ويحظى بإجماع الفصائل كلها».