دمشق | بعد الهدوء النسبي الذي شهدته دمشق خلال الأسابيع الماضية، تزامناً مع الترقب الداخلي لإمكانية العدوان الغربي على سوريا، عادت الاشتباكات العسكرية إلى العاصمة من جديد، لترتفع وتيرتها في كلٍّ من الريفين الشمالي والجنوبي لدمشق، أكثر منها في مركز العاصمة، باستثناء جبهتي القابون (شمال المركز) ومخيم اليرموك (جنوب المركز)، اللذين يشهدان، منذ الأسبوع الفائت، ارتفاعاً واضحاً في حدة المعارك العسكرية الدائرة فيهما. التصعيد العسكري هذا يضعه البعض في مصاف التحضير الميداني الاستباقي المطلوب والضروري قبل الذهاب نحو الاستحقاق السياسي القادم، المتمثل في مؤتمر «جنيف 2». وفي هذا السياق، قال مسؤولٌ سوريٌ رفيع المستوى، وقد فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار»: «الطريق نحو جنيف بات إجبارياً وملزماً للجميع، سيعقد المؤتمر في شهر تشرين الأول حكماً، وعلى الأرجح أن يكون في الثامن والعشرين منه، نحن في الحكومة السورية أعلنا استعدادنا للمشاركة فيه دون أية شروط من قبلنا. الكرة الآن في ملعب المعارضة غير الجادة بالذهاب إليه». ولدى سؤال «الأخبار» عن هوية القوى السياسية المشاركة في المؤتمر، ونسب تمثيلها عددياً، قال: «الحكومة السورية حددت أسماء المسؤولين المشاركين في وفدها، أما عن ضفة المعارضة، فسيكون حاضراً على الطاولة كل من القوى الكردية، وائتلاف الدوحة (الائتلاف الوطني السوري)، والهيئة (هيئة التنسيق الوطنية)، وائتلاف قوى التغيير السلمي. أما عن نسبة التمثيل لكل قوة سياسية فهي ليست بالأمر المهم، فمقررات «جنيف 2» لن تكون بالتصويت، بل سيحكمها منطق التوصل إلى تفاهمات يلتزم الجميع تنفيذها، وسيترك لكل قوة سياسية حق اختيار الشخصيات التي ستمثلها في المؤتمر. وأكد المصدر: «بقيت مشكلة التمثيل العسكري المشكلة الأساسية، فلم يعرف ما إذا كان قد جرى التوصل إلى صيغة مبدئية تضمن مشاركة المسلحين السوريين في المؤتمر المزمع عقده»، حيث تقدر أغلبية السوريين اليوم أن التوصل إلى اتفاق مع المسلحين السوريين، من ذوي المطالب المحقة، قد يفتح الباب في البلاد أمام توحيد طاقات الجيش السوري ومسلحي الداخل ضد مسلحي الخارج من «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» وغيرهما من الكتائب والفصائل العسكرية المتشددة.
العاصمة قبل «جنيف 2»

عمدت المعارضة المسلحة، على طول خط الأزمة، وقبل كل استحقاق سياسي دولي إلى محاولات حثيثة للعبث، ما أمكن، بأمن العاصمة السورية، حيث إنه في ميزان الربح والخسارة، تدرك المعارضة، والدول الداعمة لها، أن كل تقدم أو تراجع ميداني على الأرض سيكون له تأثيره الفعلي على ميلان كفة ميزان المفاوضات السياسية. وهذا ما يدفع الطرفين المتحاربين على الأرض إلى رفع الجاهزية القصوى، والهدف: إحكام السيطرة على دمشق.
ميدانياً، يبدو أن مركز دمشق لن يكون خارجاً عن سيطرة الجيش السوري، لا قبل المؤتمر الدولي ولا بعده، إلا إن كانت نتيجة معارك الريف تصب في مصلحة الطرف الآخر، وهذا ما لم تدل عليه المجريات اليومية للمعارك في الأيام الماضية. حيث يستكمل الجيش السوري تقدمه في الريف الشمالي للعاصمة. ففي زملكا، المتاخمة لمدينة دوما، قصفت وحدات الجيش معاقل المسلحين المحصنين في قلب المنطقة بقذائف الهاون، بالترافق مع الاشتباكات الدائرة على حدودها خلال اقتحامها، حيث تكبد المسلحون هناك خسائر فادحة في الأرواح والعتاد الحربي. وفي برزة يتقدم الجيش السوري على الأرض، في اشتباكات دارت في محيط مستشفى تشرين العسكري، فيما يأخذ شكل الاشتباكات في قوس القابون ـ حرستا ـ عربين طابع «التنظيف الناري» وتمشيط المنطقة، تمهيداً لإعلان الريف الشمالي منطقة خاضعة لسيطرة القوات السورية.
أما في الريف الجنوبي، فتميل كفة الاشتباكات والمناوشات التي تشهدها مدينة داريا لمصلحة الجيش السوري، الذي بات يحكم الطوق حولها، ويسيطر على أكثر من نصفها. هذا التقدم الميداني في الجنوب الغربي، على محاور صحنايا ـ داريا ـ جديدة عرطوز، يبدو اليوم بحاجة ماسة إلى تقدم حقيقي وفاعل في الجبهة الجنوبية الشرقية للعاصمة، حيث تمكن الجيش السوري من السيطرة على بلدة شبعا، بعد اشتباكات ضارية. وتكمن أهمية المنطقة الجنوبية الشرقية في الريف السوري، في أنها باتت السبيل شبه الوحيد للجيش للتخلص من حالة «المراوحة في المكان» الحاصلة في منطقة مخيم اليرموك وشارعَي فلسطين والتضامن، التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، حيث يرى المحللون العسكريون أن السيطرة على هذه المناطق لم تعد محكومة بالشكل التقليدي للمعارك (تغطية طيران مع اقتحام بري على الأرض)، بل باتت مرهونةً بتغيير مكان الهجوم، من المدخل الشمالي للمنطقة، إلى المدخل الجنوبي لها، وذلك بعد أن يستطيع الجيش تحقيق السيطرة المطلقة على مناطق السيدة زينب ويلدا وببيلا، حيث يتمكن من قطع طريق الإمداد الوحيد المفتوح للمسلحين في مخيم اليرموك. واليوم، يجري الحديث عن رغبة لدى القيادتين السياسية والعسكرية السورية لخوض هذا السيناريو، والانتهاء منه قبيل التوجه نحو «جنيف 2».