الخرطوم | «تمخض الجبلُ فولد فأراً».. كانت هذه العبارة حاضرة في أذهان الكثيرين من السودانيين وهم يستمعون الى الإعلان الرسمي للتشكيلة الجديدة للوزراء، التي أعلنها المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في الساعات الأولى من فجر أمس. تعديل حكومي أجراه الرئيس عمر البشير أزاح بموجبه أقوى رجلين في الحزب والحكومة على حدّ سواء، هما النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه (الصورة)، ومساعد الرئيس نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني نافع علي نافع.
وبالرغم من التسريبات والتكهنات التي تحدثت عن طغيان عنصر الشباب على الحكومة الجديدة، إلا أن التشكيل المعلن، الذي انتظره المراقبون طويلاً، جاء بذات الأسماء والوجوه، مع تغيير طفيف في مواقعهم، بينما تمسك البعض بنفس مناصبه السابقة.
ويرى مراقبون في التشكيلة الوزارية الجديدة خطوة ثانية في طريق انفراد البشير بالقرار، وذلك بعد إبعاد عرّاب الحركة الإسلامية حسن الترابي، في تسعينيات القرن الماضي وتكوينه لحزبه «المؤتمر الشعبي». ويمضي المراقبون الى الاعتقاد بأن البشير يريد ان يعزل مؤسسة الرئاسة (الرئيس ونائبيه) بعيداً عن الحزب، وبالتالي أن يكون في معزل عن اي تأثيرات خارجية، سواء من الحزب أو من الحركة الاسلامية، على قرارات الرئيس في المرحلة المقبلة، وخصوصاً في ما يلي ملف التفاوض مع القوى السياسية الأخرى، ومشاركتها في السلطة وصياغة الدستور الدائم للبلاد.
ورفّع البشير الجنرال بكري حسن صالح، وهو من أبرز الوجوه العسكرية، بوضعه في منصب النائب الأول للرئيس. ومعروف أن صالح أحد اعضاء مجلس قيادة ثورة الانقاذ الوطني التي اطاحت حكم الصادق المهدي عام 1989.
وعلى الرغم من الخطوة الكبيرة التي سبقت إعلان التشكيل الوزاري بيوم واحد فقط، وهي تقديم طه، استقالته من الحكومة والحزب، الا أن مصادر تحدث لـ «الأخبار» عن حث الرئيس البشير نائبه الأول للدفع باستقالته تحقيقاً لرؤية الأول في أن يكون التغيير شاملاً ولا يستثني الكبار، ولا سيما أن طه هو الرجل الذي يوصف بأنه العقل المُدبّر للحكومة، كما أن طه هو مهندس اتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية، إضافة الى تقلّدة أمانة الحركة الإسلامية لدورتين متتاليتين.
وجاءت التشكيلة الجديدة خالية من رجال الإنقاذ الكبار، الذين ظلّوا يحتفظون بمناصبهم لأكثر من عقدين من الزمان، بينما يذهب مراقبون الى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها السودان منذ أكثر من عام كانت من أقوى مسببات ودواعي التعديل الوزاري الأخير.
فعلى الرغم من أن التشكيل الجديد خلا من أي مفاجآت أو تغييرات كبيرة، إلا أنه استجاب لضغط الرأي العام، وذلك باطاحته بعض الوزراء الذين لطالما تسببت سياساتهم في إلحاق أضرار متفاوتة ومباشرة بمعيشة المواطنين، ويأتي على رأس هؤلاء وزير المالية علي محمود، الذي أشعلت قراراته الاقتصادية الأخيرة الشارع في ما عُرف بانتفاضة سبتمبر، بعد قرار رفع الدعم عن المحروقات وزيادة أسعار بعض السلع.
أيضاً وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي، الذي شهدت ولايته العديد من المشاكل التي أثّرت على نحو مباشر في فشل المواسم الزراعية الواحد تلو الآخر، وليس آخرها فشل موسم زراعة القمح، فضلاً عن تدمير مشروع الجزيرة الزراعي أكبر داعم للاقتصاد الوطني في عهود مضت.
ويسود اعتقاد واسع بان دخول الفريق بكري حسن صالح إلى مؤسسة الرئاسة يتطابق مع طبيعة المرحلة المقبلة، التي تحتم وجود شخصيات محل ثقة بالنسبة إلى الرئيس في المواقع السيادية العليا، وخاصة بعد ظهور التيارات المتصارعة داخل حزب المؤتمر والضغوط التي مورست على أهل السلطة من مختلف التيارات داخل الحزب.
وينبئ ما تقدّم بأن المرحلة المقبلة سيكون الحسم فيها عسكرياً، ولا سيما بعد وجود العسكر في قمة الدولة، إذ ظل بكري في السلطة وهو الذي عمل رئيساً لأركان حرب البشير، عندما كان يعمل معه في سلاح المظلات، إضافة الى انه كاتم أسراره ورفيقه في جميع رحلاته العلاجية وجولاته خارج البلاد بحكم موقعه كوزير لرئاسة الجهمورية.
وكانت لافتة تصريحات بعض المسؤولين بأن الجيل الذي حكم البلاد 24عاماً الآن يترجل، وبأن الفترة التي ستسبق الانتخابات المقبلة سيقودها الجيل الثالث، وأن الفترة المقبلة ستشهد حل كثير من المشكلات التي أقعدت البلد عن التقدم.
ورغم ذلك، شكك بعض المراقبين في هذا التوجه، ورأوا أن ما قيل في هذا الشأن بمثابة حديث للإعلام، ولن يخرج من إطار التنافس السياسي. ويرى المحلل السياسي حسن الساعوري، أن «ضغوط الشباب في الحزب هي التي قادت الى اقتناع القابضين على القرار في الحزب بإحداث تغيير كبير، وإفساح المجال للشباب والأجيال الصاعدة. وأعتقد أن الاستجابة جاءت متأخرة، حيث عكف المعنيون بالأمر خمسة شهور حتى فرغوا من هذه المهمة». وقال الساعوري «هل المطلوب تغيير الأشخاص أم السياسيات، وتساءل هل الأشخاص الجدد سينفذون نفس السياسات القديمة، أم سيأتون بسياسات جديدة».