غزة | يعيش الشبان الفلسطينيون حالة من الضياع في ظل انعدام أفق واضح لمستقبلهم، وذلك نتيجة الصراعات السياسية التي أثرت بنحو كبير في كافة مناحي الحياة، خاصة مع تجذر الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وتردي الأوضاع المعيشية الناتجة من التدهور المتفاقم للحياة الاقتصادية على مدار سبع سنوات متواصلة منذ سيطرة حماس على القطاع، واحتفاظ فتح بالضفة الغربية، فضلاً عن فرض إسرائيل عقوبات على كامل غزة بحصارها المشدد الذي لم تخف وطأته حتى الآن، ما جعله سجناً كبيراً يضم ما يقارب مليوني شخص، الفئة الأكبر منهم من الشباب.لا يستطيعون تحديد هدف واضح لمستقبلهم، مع غياب المشاريع التشغيلية وارتفاع معدلات الفقر بينهم وعيشهم أوقات فراغ كبيرة، تسببت بشكل أو بآخر بتدمير جزء لا بأس منهم، فهربوا من واقعهم المرير إلى خيال أقرب إلى الهاوية والضياع، بعد إدمانهم الحبوب المهدئة والمخدرة مثل الترامادول، وتناول الحشيش والبانجو، وآخرون لازموا صفحات الانترنت ليل نهار علّهم يجدون صيداً ثميناً ينشلهم مما هم فيه والتعرف إلى أجنبيات ـــ سواء من دول عربية مجاورة أو أوروبية ـــ بنية الزواج بهن والعيش معهن في بلدانهن.
34% من الشباب يرغبون في الزواج من أجنبيات لتأمين مستقبل لهم خارج بلدهم. نسبة ليست بالبسيطة توصلت إليها الباحثة هدى نعيم في آخر دراسة فلسطينية ترصدها، في رسالة الماجستير التي أعدتها وناقشتها. ويفضل الشبان الزواج بأجنبيات للحصول على جنسية أجنبية تمنحهم الحصول على حقوق حرموا منها في بلادهم، على حد تعبير العديد من الشبان الذين التقت بهم «الأخبار» لرصد آرائهم.
الشاب محمد الكفارنة (35 عاماً) تزوج بأجنبية حين كان يواصل تعليمه في نيكاراغوا يقول للأخبار: «على الرغم من اختلاف الثقافة بيني وبين زوجتي، أشعر بأنه لدي حصانة ربما لا نعرف قيمتها إلا وقت الحروب، كالحربين اللتين شنتهما إسرائيل على غزة. فقد استطعنا الهروب من موت محتم صدر حكمه على كافة سكان القطاع بلا استثناء، إلى بلد زوجتي، حيث مكثنا هنالك إلى حين تحسّنت الأوضاع قليلاً هنا، إضافة إلى أنها تكفل حياة هادئة في حال تأزمت الأمور أكثر هنا ويمكننا العيش في أي بلد أوروبي».
تلك المميزات لم تكن تروق شقيق محمد الأصغر إبراهيم (29 عاماً) قبل أن ترفضه عائلة فتاته ــ حبيبته ــ بسبب عادات وتقاليد حالت دون إتمام ذلك. ويقول إبراهيم بزفرة قوية توحي بمدى استيائه مما وصلت إليه الأمور: «في بداية الأمر رفضني والدها لأنني حانوني وهي مهاجرة، وحين أصررنا على ما نريد رفع تكاليف الزواج بصورة مريعة، حيث طلب مني مهراً يفوق 10 آلاف دينار أردني، وقوبل ذلك برفض أهلي لتلك الشروط التعجيزية، وبالتالي لم يتم الزواج»، مضيفاً: «بعد ذلك اقتنعت بزواجي من أجنبية تعفيني من كافة التكاليف إضافة إلى عدم وجود عادات وتقاليد تحول دون ذلك، كما أن الجنسية تمنحني قوة وأمان أكبر، لذلك اقتنعت بالفكرة بعد رفضي لها في السابق جملة وتفصيلاً».
وينعكس الزواج من أجنبيات على نسبة العنوسة بين الفتيات، خاصة اللاتي فضّلن التعليم على الزواج في بداية أعمارهن. وتقول فاتن العشي (28 عاماً) ــ غير متزوجة ــ: «فرصة ارتباطنا تقلّ يوماً بعد يوم في ظل الظروف المعيشية التي نعيشها، وأهمها رغبة الشباب في الهجرة والزواج بأجنبيات»، وتتابع: «عزوف الشباب عن الزواج من بنات البلد يزيد من أعداد الفتيات اللاتي لم يتزوجن، على الرغم من رغبة الكثير منهن في مساعدة الشاب على تكوين أسرة وفتح منزل خاص بهما في حال كانت عاملة»، بينما تلوم أمينة الحاج أحمد (37 عاماً) أهلها الذين رفضوا فكرة ارتباطها برجل من غير عائلتها رغم اقتناعها المستمر بأنه الزوج المناسب لها اجتماعياً وثقافياً، وكذلك بإمكانها، بالتعاون معه، بناء أسرتها السليمة وإنجاب الأبناء، مشيرة إلى أن عادات ذويها وتقاليدهم تحتّم عليها الرضوخ لما يقولونه أو أن تعيش عمرها بعار الاعتراض ومقاطعتها الأبدية، فضلاً عن تهديدهم لرجل حياتها بالقتل.
وتضيف: «كل تلك الأسباب جعلت الشاب يفكر في أن يهاجر ومن ثم ارتبط بأجنبية وأنجب منها أطفالاً، أما أنا فبقيت على حالي لم أتزوج لتكرار رفض أهلي تزويجي من غير عائلتي».
الباحثة الاجتماعية هديل مراد تؤكد أن نسبة الشبان الراغبين في الهجرة وفي الزواج من أجنبيات في ارتفاع ملحوظ، ما ينعكس سلباً على الفتيات الغزيات اللاتي يفقدن فرصة الارتباط والزواج، مرجعة ذلك إلى عدة عوامل أهمها السياسة والاقتصاد اللذان يشلان الحياة في قطاع غزة، فالأولى بفعل الانقسام بين فتح وحماس دمرت الكثير من المعايير المجتمعية والتراحم وأصبح الزواج يتم بناءً على الهوية التنظيمية. وتضاف إلى الثاني عادات وتقاليد مجتمعية لم تترك الساحة حتى اليوم، مثل ارتفاع المهور وعدم التنازل عن التكاليف الباهظة التي لا يستطيع أغلب الشبان تأمينها، فضلاً عن البطالة والفقر اللذين قضيا على تحقيق أحلام الشبان بتأمين حياة كريمة لهم ولزوجات المستقبل، ويحولان دون تفكير الشبان في الزواج من الأساس، وبالتالي إن سنحت لهم فرصة الهجرة والزواج في الخارج فلن يوفروها.




يوماً بعد آخر تكبر الأرقام الكاشفة عن كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها قطاع غزة. وفي أحدث تحذير يدعو إلى إنقاذ القطاع المحاصر.توقعت الأونروا أن يحتاج ما يقرب من مليون مواطن في غزة العام المقبل إلى مساعدات غذائية ومالية. ووفقاً لأحدث مسح للفقر أجرته الوكالة فإنها تتوقع زيادة في الطلب تتراوح بين و20% في عام 2014. وإن قرابة مليون مواطن سيحتاجون إلى مساعدات غذائية وسيصل حجم المستحقين للإغاثة إلى مليون فرد بارتفاع ما بين 10% إلى 20% مما هو عليه الآن. وكانت الأمم المتحدة قد قامت في عام 1950 بإنشاء وكالة خاصة لإغاثة ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من مدنهم وقراهم بعد نكبة 1948.