حضور في غياب. هذا بالضبط ما يمثّله لي البحر. هذا التحايل هو طريقة عقلي في إنكار هزيمته أمام كل الظروف التي نعيشها و تعيشها غزة، بسبب حصار العدو. هذا المكان، هذا الأزرق الكبير، هذا المدى المفتوح على شتى الاحتمالات: احاول أن اسمعه، أن أصيخ السمع الى لغته. من يا ترى قد يأتي من هناك؟ من يا ترى سيذهب الى هناك؟ هل سيعود اليوم الذي ستسترسل المراكب والزوارق الهشة في التهادي على سطحه مبحرة الى المكان الممنوع؟ تقف هناك، بعد ان تلقي مرساتها، منتظرة بصبر أن يعلق سمك ضال، او عروس بحر؟. ماذا يخبئ لنا هذا البحر؟ آثار اقدامنا تلهو بترك انفسها ترتسم على رماله، من هذه النافذة، هذه الفسحة الصغيرة، ننظر الى الأفق الأزرق. نغمض أعيننا ونخوض في مياهه. بحر يبعدنا شاطئه اميالاً عن ضجيج المدينة، هنا، تعوم المراكب بشكلها المنتظم، تنتظر الامل البعيد بالإبحار، حالها، حالنا، ننتظر وتنتظر ولا شيء يأتي. هذا بالضبط ما يمثله لنا البحر، بحرنا، بحر غزة. هذا هو الحضور في الغياب..
* نص أماني شنينو وتصوير رهام الغزالي