في اليوم الأخير من أعمال مؤتمر هرتسليا، وهو المؤتمر السنوي الأبرز في إسرائيل، تناوب كل من وزير الدفاع، إيهود باراك، ووزير الشؤون الإستراتيجية، موشيه يعالون، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أفيف كوخافي، على الكلام، عارضين التطورات الإقليمية وما تنطوي عليه من تهديدات وفرص بالنسبة إلى الدولة العبرية. وإذا كان لإيران قصب السبق في كلمات المسؤولين الثلاثة، فذلك لأنه لم يسبق لأي موضوع في تاريخ إسرائيل، بحسب تعبير باراك، لا في مجال الحرب ولا مجال السلام، أن شغل بال القيادة الإسرائيلية واستهلك منها هذا القدر من النقاش والبحث والدراسة. ورأى باراك أنه بعد التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، «لا شك لدى العالم في أن هناك بعداً عسكرياً للمشروع النووي الإيراني، وأن طهران تقترب على الدوام باتجاه النضوج ومن دخول مجال الحصانة الذي يمكنها من بعده العمل على استكمال مشروعها دون عرقلة فعالة وفي التوقيت المناسب لها». وإذ رأى أن «لا خلاف حول الخطورة التي لا يمكن تحملها لإيران نووية على مستقبل الشرق الأوسط وعلى أمن دولة إسرائيل والاستقرار الأمني والاقتصادي للعالم أجمع»، شدد بلهجة تحذيريه من أن وجود «تفهم على أنه في حال لم تؤد العقوبات (المفروضة على إيران) إلى النتيجة المتوخاة المتمثلة بوقف مشروعها النووي، فستكون هناك حاجة إلى دراسة عملية عسكرية (ضدها)». وأضاف «الكثير من الخبراء يقدرون بأن نتيجة الانتظار السلبي ستكون إيران نووية، ومواجهة إيران نووية ستكون معقدة وباهظة الكلفة الدموية». وختم «أكتفي بالقول إنه ممنوع أن تتحول إيران إلى دولة نووية. هذا ما نطالب به، ونحن نعني ما نقوله. ومن يدع إلى العمل لاحقا، فقد يتضح له أن الوقت صار متأخراً جداً».
من جهة أخرى، رأى باراك أن الربيع العربي يجلب تحديات لإسرائيل والعالمين العربي والغربي بقيادة الولايات المتحدة، «لكن مع التحديات تأتي الفرص»، مكرراً تقديره بحتمية سقوط النظام السوري الذي سيشكل «ضربة للمحور الراديكالي وسيضعف حزب الله ويحرم إيران من القاعدة الأهم في العالم العربي». وفي هذا السياق، حذر باراك من أن «إسرائيل ترصد محاولات نقل أسلحة متطورة من سوريا يمكن أن تصدع التوازن الحساس مع حزب الله»، ومن أن الأخير «يواصل تعاظمه العسكري وبات يمتلك 60 ألف صاروخ بضعة آلاف منها تغطي وسط إسرائيل وبضع مئات تصل إلى جنوبها، وهو يواصل محاولاته لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل في الخارج». ووجّه باراك رسالة تهديد مباشرة إلى الحكومة اللبنانية بوصفها «المسؤولة عن كل ما ينطلق من أراضيها ونحن نسعى إلى الهدوء في الشمال، إلا أنه مع انكسار الهدوء، لن نرتدع عن العمل ضد البنى التحتية اللبنانية ومنشآتها بما ينسجم مع القانون الدولي».
من جهته، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية إن «إنتاج سلاح نووي إيراني لا يرتبط تقريباً بامتلاك القدرات، وإنما باتخاذ القرار من قبل (مرشد الثورة السيد) علي خامنئي». وقال «إذا أصدر خامنئي أمراً بالحصول على قنبلة نووية أولى، فإننا نقدر أن ذلك سيستغرق نحو عام. وإذا أصدر قراراً بترجمة هذه القدرة إلى رأس تفجيري، فإن الأمر سيستغرق بتقديرنا عاماً أو عامين إضافيين».
وبحسب كوخافي فإن إيران «تمتلك أكثر من أربعة أطنان من اليورانيوم المخصب بنسبة 3 بالمئة، ونحو 100 كلغ بدرجة تخصيب 20 بالمئة»، مكرراً تقديرات إسرائيلية نشرت سابقاً بأنه «إذا تم تخصيب هذه الكميات إلى درجة 90 بالمئة فإنها ستكفي لأربع قنابل نووية». ورأى الجنرال الإسرائيلي أن الضغوط التي تزداد حدة على إيران بفعل العقوبات تعطي نتائجها، إلا أنها لا تؤدي في هذه المرحلة إلى تغيير استراتيجي لكن «كلما اشتدت الضغوط، ثمة احتمال لأن تدفع النظام الذي يخشى قبل أي شيء على بقائه إلى إعادة النظر في مواقفه».
وقال كوخافي إن «هناك اليوم نحو 200 ألف صاروخ موجهة إلى إسرائيل من قبل دولٍ معادية، غالبيتها يصل مداها إلى 40 كلم، وبضعة آلاف يصل مداها إلى آلاف الكيلومترات ورأسها الانفجاري حجمه مئات الكيلوغرامات. هذه الصواريخ هي أكثر دقة وأكثر فتكاً، وهي موجودة في سوريا وإيران ولبنان حيث يتم إخفاؤها في مناطق مأهولة بالسكان». وأضاف «كل واحد من عشرة بيوت في لبنان هو مخزن للوسائل القتالية أو منصة صاروخية، وهذا تحدّ تكتيكي تحول إلى استراتيجي».
وبرغم تأكيده أن «الردع الإسرائيلي لا يزال قائماً»، رأى كوخافي أن إسرائيل تواجه اليوم «شرق أوسط أكثر عداوة، أكثر إسلامية، أكثر حساسية، مع علاقة أكثر بين الجمهور في الدول المختلفة وسيطرة أقل من قبل أنظمة باتت أيضاً أقل خضوعاً للتأثير الدولي». وحذر من أن ضعف الأنظمة في المنطقة أوجد جبهات فيها عشرات مسارات التهريب حوّلت الشرق الأوسط إلى «أكبر مخزن لتهريب السلاح في العالم».
وفي كلمته التي تركزت حول جدوى الخيار العسكري ضد إيران، قال وزير الشؤون الاستراتيجية، موشيه يعالون، إن الغرب يمتلك قدرات لشن هجوم على الجمهورية الإسلامية، «لكن ما دام الإيرانيون لم يقتنعوا بالتصميم على إخراجه إلى حيز الفعل، فإنهم سيواصلون مناوراتهم». وأكد إمكان تدمير المنشآت النووية الإيرانية قائلا «إن أية منشأة يتم تحصينها بأيد بشرية، تعرف اليد البشرية كيف تخترقها، ومن الممكن استهداف كل المنشآت الإيرانية عسكرياً، وأنا اقول هذا من تجربتي كرئيس للأركان ». وكشف ان الانفجار الذي حصل في قاعدة عسكرية إيرانية قبل أشهر وقتل فيه الجنرال حسين مقدم، وقع أثناء تجربة على صاروخ عابر للقارات يبلغ مداه 10 آلاف كيلومتر وقادر على استهداف أوروبا واميركا.