القاهرة| «حاصر حصارك لا مفر»، لعله المنطق المسيطر على جموع المتظاهرين الذين احتشدوا عند مقر وزارة الداخلية في وسط القاهرة أمس، من دون أن يكون واضحاً ما إن كانوا يطمحون إلى اقتحامها من عدمه. وهم العزل إلّا من الأحجار في مواجهة قلعة من قلاع الدولة. قوات الشرطة استخدمت ضد المحتجين غاز الأعصاب، كما يقول أطباء المستشفيات الميدانية. «نحن نتعرف إلى نوعية الأسلحة المستخدمة من معاينة أعراض الإصابة»، كما يقول شريف أشرف، الطبيب في المستشفى الميداني بالقرب شارع الفلكي، المتاخم لشارع منصور ومحمد محمود، اللذين يفضيان إلى مقر وزارة الداخلية، وذلك في أثناء تفكيكه مع زملاء له مقر المستشفى، وقوامه ملاءة يتمدد عليها المصاب وأكوام من الأدوية والإسعافات الأولية، استعداداً لنقله إلى مكان أقرب من ساحة المواجهة.
ويؤكد أشرف، الذي كان يرتدي سترة برتقالية تحمل شعار «أطباء التحرير... الإسعاف السريع»، أن الأعراض كلها لا تشير إلى استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، بل غازات الأعصاب، «فكل المصابين يعانون أعراض حروق الوجه والأنف وانتفاخ العيون، فضلاً طبعاً عن التشنجات والاختناق والإغماء... بخلاف إصابات الخراطيش».
واعتمد الثوار في نقل المصابين على المتطوعين من سائقي الدراجات البخارية، التي كانت تجوب أرض «المعركة» بحثاً عن شباب يركضون حاملين مصاباً هنا أو هناك، بينما يصرخون وسط الزحام «افتح طريق». وبينما خلت المنطقة بالكامل من أي مستشفى ميداني تابع لوزارة الصحة، كانت سيارات الاسعاف الأثر الوحيد الذي بقي منها هنا، وهي غالباً ما تستقبل فقط حالات الاختناق الأخطر، التي لا يفيد في علاجها سوى نقل الأوكسجين.
وبالرغم من الاستخدام الكثيف المستمر طوال الليل وساعات النهار لقنابل الغاز، الا أن المتظاهرين نفذوا إلى أقرب مسافة من الوزارة لم تطأها قدم محتج من قبل، إذ هدموا جزءاً من حائط حجري ضخم كان الجيش قد أقامه في شارع محمد محمود في تشرين الثاني الماضي عقب المواجهات، التي عرفت إعلامياً بنفس اسم الشارع، ومن ثم عبروا منه في اتجاه الوزارة وكذلك الأمر من جهة شارع منصور، بعدما أطاحوا حاجزاً شائكاً يفصل بينهم وبين مقر الوزارة، بعدما استخدموا القنابل نفسها ضد الجنود والضباط، حين أعادوا قذفها عليهم وتسلقوا جدران مقر «الخزانة العامة» ليقذفوهم بالحجارة من أعلى، وأجبروهم على التراجع.
واعاد الثوار شعاراتهم على جدران الجامعة الأميركية في شارع محمد محمود، التي اجتهد عملاء الشرطة في محوها، فهناك مثلاً بالقرب من ناصية الشارع مع ميدان التحرير كان المعيد في كلية الفنون الجميلة علاء عوض يرسم جدارية ضخمة زاهية الألوان، على غرار الفن الفرعوني القديم، لنسوة متراصات في مسيرة نحو الوزارة، يقول إنهن «حرائر مصر اللاتي حاول العسكر انتهاكهن».
جماعات الالتراس المنظمة، توارت أمس بعض الشيء عن المشهد، قياساً الى يوم أول من أمس، الذي شهد تظاهراتهم الضخمة إلى ميدان التحرير وشارع محمد محمود، والتي بدأت بعدها المواجهات التي أدّت إلى سقوط شهيدين ومئات الجرحى في القاهرة، بخلاف شهيدين وأكثر من 30 جريحاً في السويس، حيث جرت فيها مواجهات بالقرب من مديرية الأمن هناك.
الإصابات المتوالية دفعت جماعات من ميدان التحرير إلى محاولة اقناع الصفوف الأولى المواجهة لجنود الأمن المركزي بالتراجع إلى الميدان، لكن دون جدوى، حتى بدا التحرير الغاضب مسالماً جداً قياساً إلى الشوارع المؤدية لوزارة الداخلية التي استعرت منذ أول من أمس بالوعيد ضد الضباط.
وبعد تردد أنباء عن انسحاب القوات المسلحة من تأمين المنشآت الحيوية في مصر، خرج المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية لنفي صحة ما يتردَّد، مؤكداً على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» أن تلك الشائعات تهدف في مجملها إلى التحريض والفوضى، و«تحث على اقتحام منشآت الدولة الحيوية»، كما حرص مستشار رئيس الأركان، اللواء إسماعيل عثمان، على نفي صحة ما جرى تناقله عن استعداد قوات الجيش للنزول «بكثافة» لتأمين البلاد والمنشآت الحيوية، لافتاً إلى أن قوات الجيش تشارك الشرطة المدنية حالياً فى تأمين هذه المنشآت.
أما جماعة الإخوان المسلمين، التي لم تسلم من غضب المحتجين، فاكتفى مرشدها العام محمد بديع ببيان بثته فضائية «مصر 25» التابعة لجماعته دعا فيها القوى السياسية إلى مؤتمر عاجل «لأن مصر ملكٌ لنا جميعاً» على حد قوله.