القدس المحتلة | الحركة الأسيرة لن تنسى خضر عدنان. سيسجّل تاريخها أنّه واحد ممن قطعوا الفترة الزمنية الأطول في الأمعاء الخاوية. حكايته كانت كفيلة برفع قضية الأسرى، مرّة أخرى، إلى العناوين الأولى. والأهم من هذا، أنّه رفع قضية المعتقلين الإداريين إلى دائرة الضوء. هذا الاعتقال الإداري الذي يندرج ضمن خطوات تعسّفية تجدّده سلطات الاحتلال من دون تقديم لائحة اتهام ضدّ المعتقل. وعلى هذا الصعيد، أحرز عدنان ما لم يُحرَز منذ زمن. إضراب عدنان عن الطعام لم يكن فردياً. هو لم يضرب من أجل حالته الشخصية.
أعلنه إضراباً مبدئياً مناهضاً للاعتقالات الإدارية كلها. قبل أن يُنهي إضرابه، ويحقق ما لم يحققه كثيرون. مع ذلك ظلت قضية الاعتقالات الادارية ورقة في أيدي سلطات الاحتلال. الصفقة التي أنهى عدنان بموجبها إضرابه تمثّل في جزء منها انتصاراً واضحاً له ولنضاله، لكن تحمل بين طيّاتها جانباً مظلماً يخوضه الأسرى الفلسطينيون ضدّ الاعتقالات الادارية.
قضية خضر عدنان لم تجد الحلول لمأساة الاعتقال الإداري، لكنّها عادت لتطرح هذه القضية بقوة على الرأي العام؛ ففي حين كان العالم يعرف أسماءً مثل جلعاد شاليط، جسّد عدنان بقضيته حالة ظالمة يعيشها أسرى كثر ولا يجدون أي اهتمام.
«القوة لا تأتي من مقدرة جسمانية، بل تأتي بها إرادة لا تقهر»، هذا ما قاله قديماً المهاتما غاندي. كأنه بذلك كان يتحدث عن إرادة خضر عدنان التي انتصرت وانتصر بها على السجّان، وعلى كل أنواع التعذيب والتهديد وأساليب التحقيق، والترهيب. هكذا أُعلن الاتفاق الذي حصل بين ممثل النيابة العامة الإسرائيلية ومحامي الأسير خضر عدنان وهو: «عدم تجديد اعتقاله إدارياً لفترة إضافية، وإطلاق سراحه في السابع عشر من نيسان المقبل».
وكان من المقرر أن تنظر المحكمة العليا الإسرائيلية، أمس، في الالتماس الذي قدّمه الأسير بواسطة محامي نادي الأسير جواد بولص. لكن بعد الاتفاق بين المحامي والنيابة، أُلغي الالتماس، وأوقف الأسير خضر إضرابه عن الطعام الذي استمر 66 يوماً. ووافق المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية على احتساب أيام التحقيق واعتقال الأسير سابقاً من ضمن مدّة الاعتقال الإداري للأشهر الأربعة التي فُرضت على الأسير خضر. هكذا، في اليوم السادس بعد الستين لإضراب «الكرامة»، التسمية التي أطلقها على معركته، انتصر الشيخ عدنان على الاحتلال، ليس له فقط، بل لجميع الأسرى. معركة بقاء لم تكن غريبة عن تاريخ الشيخ؛ فهو الشاب نفسه الذي قاد هجوم «البيض» على رئيس الوزراء الفرنسي السابق ليونيل جوسبان عندما كان يزور جامعة بيرزيت في عام 2000، لوصفه مقاومة «حزب الله» ضدّ جيش الاحتلال الاسرائيلي بـ«الإرهابية».
هو الشخص نفسه الذي لم يتوقف عن مداعبة والديه وزوجته وطفلتيه عند زيارته، وتطييب خواطرهم، أو عن قراءة القرآن الكريم لرفع معنوياتهم، وطمأنتهم على صحته ووضعه، مع أنّه منهك القوى وفي نقطة اللاعودة من إضرابه. خضر عدنان الذي يحمل شهادة بكالوريوس رياضيات، هو الآن طالب دراسات عليا في جامعة بيرزيت، ويملك مخبزاً ومحلاً تجارياً في قريته قرب جنين، شمال الضفة الغربية، ليعيل منه أسرته المكوّنة من زوجته وابنتيه معالي «4 سنوات» وبيسان «عام ونصف عام»، وإعالة والديه المسنين.
والد الأسير خضر تحدث لـ«الأخبار»، مؤكّداً أن معنويات ابنه وهمّته عاليتين رغم التدهور الحاد في وضعه الصحي، «بينما سجّانه يخافه وهو مكبّل اليدين والرجلين على سريره في المستشفى، لأنه يخوض إضرابه دفاعاً عن كرامته وكرامة الأسرى والمعتقلين، ولأنه رجل شامخ، وأنا دائماً أقول: إن الله لن يضيع ولدي لأنه يستمد عزيمته من الله عز وجل».
وشرحت زوجته رندة كيف كان زوجها يداعبهم «بالنكات» خلال زيارتهم له، محاولاً طمأنتهم إلى أنه بخير، خاصة والديه، لأنه متعلق كثيراً بهم، وقد سعى إلى أن يُخفف من قلقهما على حالته، خاصة بعد رؤية جسده المنهك. كانت تشير بذلك إلى زيارتهم له في المستشفى الذي يرقد فيه. زيارة لم تدم أكثر من 45 دقيقة، كان فيها مع زوجته وطفلتيه، ووالديه وشقيقته وشقيقه ونجل شقيقه.
مع ذلك، أبدت رندة صراحة، بعدما تجاوز زوجها الأسبوع التاسع من إضرابه، تخوّفها، من أن تكون في طريقها لتصبح أرملة، ولسان حالها يقول «في الليل نغلق أجهزتنا الخلوية لكي لا نستقبل المكالمة التي تبلغنا موته». وفي تفاصيل الاتفاق بين الأسير وسلطات الاحتلال، أكّدت مصادر فلسطينية مطّلعة لـ«الأخبار» أنّ الاتفاق الذي أُنجز بين المحامي وممثل النيابة الإسرائيلية جاء بتدخل مصري قوي، فيما كتب المتحدث باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي، أوفير جندلمان، على صفحته على «فايسبوك» أنه «لا يوجد تهم موجهة إلى الأسير عدنان، الذي قال إنه أنهى إضرابه عن الطعام بعد هذا القرار»، مضيفاً أنه سيُفرج عن الأسير عند انتهاء فترة محكوميّته يوم 17 نيسان المقبل.
بدوره، أعلن وزير الأسرى الفلسطيني عيسى قراقع، في مؤتمر صحافي من خيمة الاعتصام في عرابة قرب جنين، قرب منزل الأسير، أن «إرادة الحرية انتصرت على إرادة الموت الإسرائيلية من خلال هذا البطل، هذا الرمز الذي تحدى دولة نووية مثل إسرائيل. هذا الإنسان لم ينكسر ولم يتعب، مواصلاً إضرابه عن الطعام حتى انتصر». وختم موجّهاً حديثه للأسير «اختصرت عنّا سنوات طويلة فشكراً لك». أما رئيس نادي الأسير قدورة فارس فقال «المعركة التي خاضها عدنان نقطة تحوّل في قضية الاعتقال الإداري»، داعياً الفصائل الفلسطينية الى وضع خطة استراتيجية ضدّ الاعتقال الإداري، ومؤكّداً أن إنجاز خطة كهذه سيكون وفاءً لانتصار عدنان الذي سطّره بإرادته، في حين أعلن عضو الكنسيت أحمد الطيبي أن «خضر نجح لا بسلاح «أم 16» ولا كلاشنيكوف ولا بدبابة، بل بإرادته التي حاصرت السجّان ووضعت شعبه بأكمله تحت الأضواء».



الضفة وغزة والأسرى يحتفون


كان لكل من قطاع غزة والضفة الغربية طريقته للاحتفال بالشيخ خضر عدنان، فأقيمت في القطاع سلسلة بشرية من مفترق السرايا حتى مقرّ الصليب الأحمر في القطاع تضامناً معه، بينما أُعلن في الثانية الإضراب العام انتصاراً لإرادته. أما في سجون الاحتلال، فقد التزمت جميع الفصائل الفلسطينية وخاضت إضراباً عن الطعام لمدة يوم واحد تضامناً مع الأسير، وذلك ضمن سلسلة من الخطوات الاحتجاجية ضدّ سياسة العزل الانفرادي والتفتيش العاري والممارسات القمعية التي تمارسها إدارة السجون، فيما حمّل الأسرى داخل السجون، في بيان، إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن حياة عدنان وما يلحق ذلك من نتائج وتبعات لا تحمد عقباها في حال تعرض لأي مكروه. في المقابل، أكّدت مصادر مطّلعة أن سلطات الاحتلال اتخذت سلسلة من الخطوات والتدابير لمنع الإضراب وإفشال أي فعالية تضامنية مع الأسير عدنان داخل السجون، من خلال نقل قيادات حركة الأسير عبر السجون. وكان للشارع الفلسطيني، بدوره، نصيب في التضامن مع خضر، إذ تظاهر قرب معبر بيتونيا مئات المواطنين، هاجمتهم قوات الاحتلال بالغاز والرصاص المطاطي، ما أدى إلى إصابة عدد منهم بجراح بين طفيفة ومتوسطة.