صنعاء | «الرئيس علي عبد الله صالح في الطريق إلى اليمن للمشاركة في مراسم تسليم السلطة إلى الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي»، هذا ما أعلنه نائب وزير الإعلام اليمني، الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يترأسه صالح. وقال عبده الجندي، في مؤتمر صحافي عقده صباح أمس، إنه «سيكون هناك احتفال مهيب لتنصيب هادي» وفيه سيجري «تسليم الرئيس السابق لدار الرئاسة لساكنه الجديد عبد ربه منصور هادي»، كذلك أكدّ أن صالح «سيظل يؤدي دوراً سياسياً مهماً، وسيكون رئيس أكبر حزب في البلاد». لكن يبقى هذا الكلام في خانة التصريحات الإعلامية التي اعتاد الجندي إطلاقها بغرض المناورة السياسية لا أكثر ولا أقل، فقد صرّح هذا الناطق الرسمي بالكثير منه خلال سنة الثورة الماضية ولم يكن يصحّ منه إلا القليل. مع ذلك يؤمن كثيرون بأن عبده الجندي يبقى معفى من مدى صدقية ما يعلنه، وخصوصاً أن الغالبية تعرف كم أن علي عبد الله صالح هاوٍ كبير للسير على عكس التوقعات؛ يفعل الأشياء التي لا يمكن أحداً تخيّلها، يعلن شيئاً ليفعل شيئاً آخر غيره. على هذا سارت حياته الطويلة التي قضاها في القصر الرئاسي الكائن في منطقة «السبعين» في العاصمة صنعاء، طوال أكثر من 33 عاماً، وهو القصر الذي تحوّل إلى ما يشبه ملكية شخصية لصالح بسبب طول المدة التي مكثها بداخله. فصار لدى الناس اقتناع بأنه عقار عائد للرئيس، وهو اقتناع كان مستقراً في داخلهم اعتماداً على مبدأ أن صالح مالك فعلي للقصر وللجمهورية، التي إن تركها فلن يكون ذلك إلا لنجله المقيم في قصر مجاور للقصر الرئاسي نفسه، ولا يبعد عنه سوى مسافة قليلة. بل إن الرئيس السابق صالح حوّل ذلك القصر خلال الأشهر الماضية، مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية، إلى عاصمة شخصية خاصة به، لا يخرج منها ولا يتحرك إلى أي جهة أخرى، لأن أي خروج له من تلك المنطقة التي يقيم فيها كان بمثابة مغامرة لا يمكن توقّع عواقبها. وهو ما دعا الثوّار إلى إطلاق تسمية «عمدة السبعين» على صالح، في إشارة إلى أنه لم يعد حاكماً فعلياً إلا لتلك المنطقة من العاصمة.
إضافةً إلى هذا، عمل الرئيس السابق، من خلال إصراره على ممارسة كافة أنشطته السياسية اليومية من سكنه الرئاسي، على تعطيل دور القصر الجمهوري الكائن في وسط العاصمة صنعاء، وهو القصر الرسمي الذي كانت تُستقبل فيه الوفود الرسمية والبعثات الدبلوماسية أثناء تسليمها لأوراق اعتمادها، إضافة إلى إجراء كافة المراسم الاحتفالية الوطنية.
لكن بالعودة إلى تصريح الناطق الإعلامي الرسمي لحزب المؤتمر الشعبي العام، الخاص بعودة صالح وتسليمه لمفاتيح القصر الرئاسي لعبد ربه منصور هادي، يبقى هذا الاحتمال مستبعداً لأسباب وتعقيدات عدّة، منها ما هو عائد إلى تركيبة المكان نفسه الذي يقع فيه القصر، وهي تركيبة جرى تصميمها على مدى سنوات وبأكلاف عالية، وتحتوي على سراديب وممرات تحت الأرض مهمتها توفير ملاذ آمن لصالح وعائلته في حال حدوث تهديد مباشر لهم، وتديرها فرق متخصصة.
كذلك فإن القصر يقع تحت حماية ثكنة عسكرية كاملة مُعدّة بنحو متطور، كانت مهمتها توفير أقصى قدر من الحماية لساكنيه، ويدين جنودها بالولاء التام لصالح ونجله. وعلى هذا تبدو عملية إعادة ترتيبهم بوضع يلائم الظرف الجديد مسألة، إذا حصلت، تتطلب وقتاً زمنياً طويلاً قد يمتد طوال عامين، وهو المدّة الزمنية الخاصة بالفترة الانتقالية التي سيكون الرئيس اليمني الجديد عبد ربه منصور هادي على رأس قيادتها.
ولهذا السبب يبدو أن هذا الرئيس الجديد لا يزال رافضاً لفكرة انتقاله إلى دار الرئاسة، نظراً إلى كل التعقيدات التي يقيم فيها وتحيط به. وبحسب مصدر إعلامي في حزب المؤتمر الشعبي العام، فضّل عدم ذكر اسمه، فإن هادي لا يزال مصرّاً على مسألة عدم انتقاله إلى دار الرئاسة، من غير أن يفصح عن الأسباب الحقيقية التي تمنعه من ذلك، والتي يبرز العامل الأمني من أهم أسبابها، إذ يبقى سكن النائب الحالي، الكائن في الجهة الغربية من العاصمة التي تقع في المنطقة الواقعة بعيداً عن سيطرة قوات الحرس الجمهوري التابعة لنجل الرئيس السابق صالح، الأفضل له على اعتبار أنه سكن يتوافر على حماية أمنية أكبر من أي مكان آخر، حيث يقيم تحت حماية خاصة من قبل الفرقة أولى مدرّع التابعة للواء علي محسن الأحمر. والأحمر في حالة وفاق مع نائب الرئيس السابق، وسبق له أن تبرع بحماية عبد ربه منصور هادي، بداية من لحظة إعلانه رسمياً قائماً بأعمال رئيس الجمهورية بعد حادث انفجار مسجد النهدين في حزيران من العام الماضي، والذي أصاب علي عبد الله صالح ومجموعة من كبار رجال الدولة بإصابات بالغة أدت إلى وفاة عدد منهم.
وما يعمل على تأكيد هذا الهاجس الأمني، الذي يبدو أنه يحتل جزءاً كبيراً من تفكير الرئيس الجديد، ما تسرّب من أخبار عن سبب الزيارة المفاجئة التي قام بها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جون برينان، قبل يومين من إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة. ووفقاً للمعلومات، فإن الزيارة كانت تتعلق في شقها الرئيسي بمسألة إعادة هيكلة الجيش الذي لا يزال الجزء الأكبر والحساس منه في أيدي نجل صالح وأقاربه، وتطمين هادي الذي كان قد أعلن تخوّفه من تسلّم رئاسة البلاد وقواتها المسلحة الرئيسية لا تزال تحت سيطرة أقارب صالح. وهو ما يبرر تصريح مبعوث الرئيس الأميركي الذي أكد في مؤتمر صحافي عقده بعد لقائه هادي «أن القوات المسلحة اليمنية لا يمكن أن تكون عبارة عن مجموعة من الإقطاعيات الفردية». وأضاف «يجب أن يكون هناك نظام قيادة قوي للتأكد من أن القوات المسلحة قوات وطنية».